في مشهد مؤثر لم تشهده جوائز نوبل من قبل، وقفت آنا كورينا سوسا في قاعة مهيبة بأوسلو تحمل أرفع جائزة عالمية نيابة عن والدتها الغائبة. ماريا كورينا ماتشادو، المرأة البالغة 58 عاماً التي هزت عرش أحد أقوى الديكتاتوريين في أمريكا اللاتينية، تستلم نوبل للسلام دون أن تكون حاضرة، في لحظة تاريخية تحبس الأنفاس وتطرح السؤال الأهم: هل ستتمكن من العودة لفنزويلا حية؟
وسط تصفيق حار اهتز له المبنى الحكومي التاريخي في العاصمة النروجية، تلت آنا كلمات والدتها القوية: "لنيل الديموقراطية، لا بد من الاستعداد للنضال من أجل الحرية". الشابة العشرينية التي تحمل مصير حركة معارضة كاملة على كتفيها، واجهت العالم بشجاعة ورثتها من أم اختارت التضحية بأمانها الشخصي. لأول مرة منذ 4 أشهر من الاختباء في الخفاء، تصل رسالة ماتشادو للعالم عبر ابنتها، بينما تحيط التدابير الأمنية المشددة بالحفل في ظل تظاهرات مؤيدة ومعارضة تملأ شوارع أوسلو.
القصة بدأت في يوليو 2024، عندما شهدت فنزويلا انتخابات رئاسية وصفتها المعارضة بـ"أكبر عملية تزوير في التاريخ الحديث". ماتشادو، التي مُنعت من خوض السباق الرئاسي، اضطرت للاختباء منذ أغسطس الماضي بعد تهديدات مباشرة بالاعتقال من نظام مادورو الذي جدد ولايته لـ6 سنوات إضافية وسط رفض دولي واسع. آخر ظهور علني لها كان في 9 يناير خلال تظاهرة احتجاجية في كراكاس، قبل أن تختفي تماماً عن الأنظار. الخبيرة بينيديكت بول من جامعة أوسلو تحذر: "إذا بقيت في المنفى لفترة طويلة، ستفقد تأثيرها السياسي تدريجياً".
لكن التحدي الأكبر ينتظرها الآن. المدعي العام الفنزويلي أعلن صراحة أن ماتشادو ستُعتبر "فارة من العدالة" إذا غادرت البلاد، متهماً إياها بـ"التآمر والتحريض على الإرهاب". وسط هذا التهديد المباشر، تتجه أنظار العالم إلى سؤال محوري: كيف تمكنت من مغادرة فنزويلا سراً؟ وما الثمن الذي دفعته للوصول إلى النروج؟ أحمد، الفنزويلي الذي فقد عمله بعد مشاركته في احتجاجات المعارضة، يعبر عن مخاوف الملايين: "إذا لم تعد ماتشادو، فمن سيقودنا نحو الحرية؟" بينما تصر ابنتها آنا: "ستعود قريباً جداً إلى فنزويلا، فهي تريد العيش حرة في وطنها".
في خطاب قوي صدم الحضور، طالب رئيس لجنة نوبل يورغن واتني فريدنيس مادورو مباشرة: "سيد مادورو، اقبل نتائج الانتخابات وتنحَّ! هذه إرادة الشعب الفنزويلي". ووسط تصفيق عاصف، أضاف: "لقد أضاءت ماريا كورينا ماتشادو شعلة لا يمكن أن يطفئها لا التعذيب ولا الكذب ولا الخوف". هل ستكون هذه الكلمات بداية النهاية لنظام مادورو؟ أم أنها مجرد صرخة في البرية؟ الساعات القادمة ستحدد مصير امرأة اختارت أن تكون رمزاً للحرية، ومصير شعب ينتظر الخلاص من 25 عاماً من الحكم الاستبدادي.