في مشهد يحبس الأنفاس، تغرق مدينة عدن في ظلام دامس يمتد لـ 83% من اليوم، حيث تواجه 800 ألف نسمة كارثة حقيقية مع انهيار شبه كامل لمنظومة الكهرباء. محطة واحدة فقط تعمل من أصل أكثر من 10 محطات، والعجز يرتفع تدريجياً ليصل إلى 16 ساعة متواصلة في الذروة. كل دقيقة تمر تعني مزيداً من المعاناة الإنسانية، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية قادمة إذا لم يتم التحرك فوراً.
منذ الساعة 8:30 من مساء الجمعة، تعيش عدن واقعاً مرعباً بـ 10 ساعات انقطاع مقابل ساعتين تشغيل فقط. أم أحمد، البالغة من العمر 45 عاماً، تروي معاناتها: "ابني يحتاج جهاز أكسجين، وأنا أعيش في رعب يومي من انقطاع الكهرباء." المشهد صادم حقاً: عائلات كاملة تنام على الأسطح هرباً من الحر الخانق، بينما تملأ أصوات هدير المولدات الكهربائية وصراخ الأطفال في الظلام أجواء المدينة المنكوبة. البيانات التشغيلية تكشف الحقيقة المرة: 65 ميجاوات فقط متاحة حالياً - رقم لا يكفي حتى لإنارة حي واحد في دبي لمدة ساعة واحدة.
هذه الكارثة ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكم سنوات من الإهمال والحرب التي دمرت منظومة الكهرباء. نفاد الوقود من محطات الديزل والمازوت، وتعطل المعدات، ونقص قطع الغيار - كلها عوامل تضافرت لتخلق هذا الانهيار الكارثي. د. محمد الشامي، خبير الطاقة، يحذر: "ما نشهده في عدن اليوم أسوأ حتى من أزمة الكهرباء في لبنان 2021، والأمر يشبه قطع أنبوب الأكسجين عن مريض في العناية المركزة." التوقعات تشير إلى ارتفاع العجز تدريجياً: 11 ساعة بحلول الـ11 مساءً، و13 ساعة عند الفجر، ليصل إلى 15-16 ساعة عند الرابعة فجراً.
التأثير على الحياة اليومية مدمر بكل المقاييس. المدارس أُغلقت أبوابها، والمستشفيات تعمل على مولدات الطوارئ، بينما يخسر سامي التاجر نصف بضائعه يومياً بسبب انقطاع التبريد المستمر. شوارع غارقة في الظلام، وطوابير لا تنتهي أمام محطات الوقود، ورائحة دخان المولدات تملأ الأجواء. آلاف الأطنان من الطعام تفسد يومياً، والمرضى الذين يعتمدون على أجهزة طبية يعيشون في قلق مستمر. النزوح الجماعي من المدينة بدأ فعلاً، وخبراء يتوقعون انهياراً اقتصادياً شاملاً إذا استمرت الأزمة. رغم كل شيء، يواصل عبدالله السالمي، المهندس الكهربائي، عمله 18 ساعة يومياً لإصلاح الأعطال بإمكانيات محدودة، مجسداً صمود أهل عدن الأسطوري.
عدن تواجه أسوأ أزمة كهرباء في تاريخها، والسباق مع الزمن محتدم لتجنب كارثة إنسانية حقيقية. كل يوم تأخير في الحل يقرب المدينة خطوة من السقوط في هاوية سحيقة. المجتمع الدولي والسلطات المحلية مطالبة بالتدخل الفوري قبل فوات الأوان. السؤال الذي يؤرق الجميع اليوم: هل ستصبح عدن أول مدينة في القرن الحادي والعشرين تعود لعصر ما قبل الكهرباء؟