في تطور صادم هز الشارع اليمني، أعلن البنك المركزي في صنعاء كسر صمت دام 11 عاماً ليبدأ صرف مرتبات أكتوبر لـ6 ملايين موظف - رقم يعادل ربع سكان اليمن. بعد 4,015 يوماً من الانتظار المرير، استيقظت ملايين الأسر على خبر قد يغير مجرى حياتهم إلى الأبد. الخبراء يحذرون: هل هو الأمل الحقيقي أم مجرد سراب جديد في صحراء المعاناة؟
في مشهد مؤثر، تجمع آلاف الموظفين أمام فروع الهيئة العامة للبريد وكاك بنك منذ ساعات الفجر الأولى، وجوههم محملة بمزيج من الترقب الحذر والخوف من خيبة أمل جديدة. أم خالد، موظفة تعليم من صنعاء تعيل 5 أطفال، رواتبها معلقة منذ وفاة زوجها: "كنا نعيش على الأمل فقط، اليوم بدأنا نرى النور". وسط دقات القلوب المتسارعة، تحدثت الأرقام الرسمية عن صرف نصف مرتب أكتوبر فقط، في خطوة وصفها د. محمد الحميدي بـ"المطر الأول بعد موسم جفاف طويل".
الجذور العميقة لهذه الأزمة تعود لعام 2014 عندما توقفت المحافظات الجنوبية عن توريد 70% من الإيرادات المطلوبة، في كارثة مالية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها. كانت النتيجة انقطاعاً شبه تام للرواتب الحكومية، تاركاً ملايين الأسر تصارع شبح الجوع والحرمان. أحمد المقطري، موظف بالبنك المركزي عمل بلا مقابل سنوات، يكشف: "واصلنا العمل إيماناً بأن يوماً كهذا سيأتي". هذا الصمود الأسطوري جعل اليمن حالة استثنائية عالمياً، حيث استمر النظام المصرفي رغم انهيار موارده.
بينما تنتشر أخبار الصرف كالبرق عبر الأحياء الشعبية، تستعد الأسواق لانتعاش مؤقت بعد سنوات من الكساد المدقع. فاطمة النجار، ممرضة بمستشفى حكومي، تخطط لشراء الدواء لابنتها المريضة: "أول شيء سأفعله هو شراء الأنسولين - ابنتي تنتظر منذ أسابيع". الخبراء الاقتصاديون يتوقعون تحسناً في القوة الشرائية خلال الأسابيع القادمة، لكنهم يحذرون من مخاطر التضخم إذا لم تُدار السيولة بحكمة. السيناريو الأمثل يتطلب استمرار الآلية الاستثنائية وإيجاد حلول سياسية جذرية للأزمة اليمنية المعقدة.
وسط مزيج من الفرح الحذر والقلق من المستقبل، تبقى الأسئلة الكبرى معلقة في الهواء. هذه الخطوة التاريخية قد تكون بداية النهاية لأطول أزمة رواتب في التاريخ الحديث، أو مجرد محطة أخرى في رحلة الألم الطويلة. على المجتمع الدولي والقوى السياسية اليمنية اغتنام هذه اللحظة الذهبية لبناء حلول مستدامة. السؤال الذي يؤرق الملايين: هل ستصمد هذه الآلية أم ستتكرر المأساة مرة أخرى؟