في لحظة تاريخية طال انتظارها، وبعد معاناة دامت أكثر من عامين، تستعد آلاف الأسر اليمنية لاستقبال فجر جديد من العدالة والكرامة. غداً، ولأول مرة منذ صدور القرار الجمهوري رقم (43) لسنة 2023، ستفتح أبواب بنك عدن الإسلامي لتشهد مشهداً مؤثراً: الموظفون المدنيون المبعدون قسراً يستلمون مرتباتهم المؤجلة. الساعات القليلة القادمة ستغير حياة الآلاف، فهل تشهد اليمن بداية عصر جديد من إعادة الحقوق؟
محمد علي الحضرمي، الموظف المالي الذي أُبعد قسراً منذ عامين ويعيل أسرة من 6 أفراد، لا يصدق الخبر بعد. "كنت أعد الأيام والليالي منذ سمعت بالقرار، واليوم أخيراً سأستطيع النظر في عيون أطفالي دون خجل من عدم قدرتي على توفير احتياجاتهم"، يقول وصوته يرتجف من الانفعال. وزارة الخدمة المدنية والتأمينات أكدت أن جميع الموظفين الذين أكملوا استمارة الإقرار حتى 14 سبتمبر مؤهلون للحصول على مستحقاتهم، في قرار وصفه خبراء بأنه "مطر العدالة بعد جفاف الظلم".
هذا القرار لا يأتي من فراغ، بل يتويج جهوداً مضنية استمرت سنوات لمعالجة الأوضاع الإدارية المضطربة التي خلفتها فترات النزاع والصراع السياسي في المحافظات الجنوبية. د. سالم باوزير، خبير الإدارة العامة، يؤكد أن هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول كبيرة: "لقد شهدت دول كثيرة تجارب مماثلة بعد انتهاء النزاعات، وإعادة الاعتبار للموظفين المدنيين خطوة حيوية لبناء الثقة في المؤسسات الحكومية". الأرقام تتحدث بوضوح: آلاف القرارات الإدارية تم مراجعتها، ومئات الملفات دُرست بعناية لضمان وصول الحق لأصحابه.
التأثير لن يقتصر على الموظفين فحسب، بل سيمتد إلى نسيج المجتمع بأكمله. فاطمة أحمد، زوجة أحد الموظفين المبعدين، تصف الوضع: "كانت السنوات الماضية كالجحيم، نعيش على الاقتراض والمساعدات، واليوم نستعيد كرامتنا". الخبراء يتوقعون موجة انتعاش اقتصادي في المحافظات الجنوبية، مع تحسن القدرة الشرائية لآلاف الأسر. لكن التحدي الحقيقي سيكون في تنظيم عملية الصرف، حيث تنصح الوزارة بالتوجه مبكراً مع إحضار البطاقة الشخصية الأصلية لتجنب الازدحام المتوقع على فروع البنك.
اليوم، وبينما تشرق شمس يوم جديد على اليمن، تشرق معها آمال آلاف الأسر في استعادة الاستقرار والكرامة. هذا القرار ليس مجرد صرف مرتبات، بل إعلان واضح أن العدالة، وإن تأخرت، فإنها لا تضيع. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستكون هذه اللحظة التاريخية بداية مرحلة جديدة من الاستقرار الإداري والعدالة الاجتماعية في اليمن؟