بعد 60 يوماً من الانتظار المرير، فتحت البنوك أبوابها أخيراً في عدن لتشهد مشهداً لم تره منذ شهور - موظفون حكوميون يبتسمون وهم يتسلمون راتبين كاملين دفعة واحدة. لكن بينما يحتفل آلاف الموظفين بهذا الانفراج المؤقت، تشتعل نيران تهديد جديد في حضرموت قد يقلب الأوضاع رأساً على عقب خلال ساعات.
صباح مشرق شهدته عدن حيث انطلق صرف مرتبات أكثر من 3000 موظف من الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني لشهري نوفمبر وديسمبر 2024. أحمد سالم، أب لأربعة أطفال وموظف بالهيئة، لم يستطع إخفاء دموع الفرح: "كان الانتظار أصعب من العمل نفسه، قضيت شهرين أقترض لشراء الخبز لأطفالي". طوابير طويلة امتدت أمام البنوك، وللمرة الأولى منذ أشهر، بدت الوجوه مضيئة بأمل حذر.
لكن هذا الفرح المؤقت يأتي وسط عاصفة سياسية تتشكل في الأفق. فكما انتظر أهل مأرب المطر، انتظر موظفو عدن رواتبهم في ظل أزمة هيكلية تضرب اليمن منذ 2014. نقص السيولة وتراجع الإيرادات النفطية جعلا صرف الرواتب يأتي متقطعاً كأمطار الصحراء. د. محمد الحضرمي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "هذا حل مؤقت لأزمة هيكلية تحتاج لإصلاح جذري، والمطلوب أكثر من مجرد صرف راتبين متأخرين".
وفي الوقت الذي تعود فيه الحيوية للأسواق في عدن، تتصاعد التوترات بشكل خطير في حضرموت. عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، ظهر للمرة الأولى ليتوعد المجلس الانتقالي بحرب شاملة إذا أقدم على خطوات معينة. سعد القحطاني، شاهد على الاشتباكات الأخيرة، يصف: "رأيت النار تشتعل في عيون المقاتلين، والجو محمل برائحة البارود والتوتر". هذا التصعيد يهدد بقطع الطرق النفطية الحيوية، مما قد يعيد البلاد لدوامة الأزمات الاقتصادية.
راتب شهرين في جيوب الموظفين اليوم قد يكون آخر الأمل لفترة طويلة قادمة. التهديد بالحرب في حضرموت يلقي بظلاله على مستقبل الاستقرار في الجنوب. على المواطنين توفير ما أمكن من هذه الرواتب للأزمات القادمة، فالتاريخ يعلمنا أن الهدوء النسبي في اليمن مؤقت كالسراب. السؤال الذي يؤرق الجميع: في بلد يعيش على صفيح ساخن، هل سيصمد هذا الانفراج أم ستبتلعه نيران الصراع مرة أخرى؟