في مشهد مأساوي لم تشهده حضرموت منذ سنوات، انطفأت 85% من القدرة التوليدية في محافظة كاملة بضغطة زر واحدة، تاركة مئات الآلاف من اليمنيين يغرقون في ظلام دامس خلال ليلة واحدة. هذا الانهيار الكارثي للكهرباء، الذي ضرب وادي وصحراء حضرموت مساء الأحد، يهدد بأزمة إنسانية خانقة قد تستمر لأيام أو أسابيع، فيما يصارع السكان للعثور على شمعة أو مصباح في عتمة الليل.
في الساعة المسائية من الأحد الماضي، شهدت حضرموت كارثة حقيقية حين انطفأت الكهرباء تدريجياً في مشهد مرعب، بعد توقف محطتي بترومسيلة والجزيرة الغازيتين عن العمل. "خرجت منظومة كهرباء وادي حضرموت عن الخدمة تدريجياً وبشكل شبه كامل" كما أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء، فيما وصف محمد العولقي، صاحب محل في المكلا، المشهد قائلاً: "شاهدت أنوار المدينة تنطفئ واحداً تلو الآخر كأنها شموع تُطفأ بالرياح، كان مشهداً مرعباً حقاً."
السبب وراء هذا الانهيار المفاجئ يعود إلى التوترات الأمنية المتصاعدة في المحافظة، والتي أدت لتوقف إمدادات الغاز من شركة بترومسيلة احترازياً. هذا الاعتماد الكارثي على مصدر طاقة واحد - مثل فصل قابس كهرباء منزل كامل، لكن المنزل هنا محافظة بحجم دولة أوروبية - كشف عن هشاشة مخيفة في البنية التحتية. خبراء الطاقة يحذرون منذ سنوات من مخاطر هذا السيناريو، فيما تؤكد الأحداث المتكررة في حضرموت أن الوضع الأمني بات يضرب البنية التحتية في القلب.
على أرض الواقع، تبحث أم محمد، ربة منزل من المكلا، عن شموع لإضاءة بيتها ولأطفالها الصغار في ليلة باردة، فيما تعمل المستشفيات بمولدات الطوارئ، وتتوقف الثلاجات عن العمل مهددة بفساد الأغذية المحفوظة. المهندس علي الحضرمي وفريقه الفني يعملون بلا كلل في حالة جاهزية كاملة لاستعادة التيار، لكنهم مقيدون بانتظار استئناف ضخ الغاز. هذه الأزمة تكشف الحاجة الماسة للاستثمار في مصادر طاقة بديلة ومتنوعة، خاصة الطاقة الشمسية المناسبة للمنطقة الصحراوية.
بينما تنتظر حضرموت عودة النور، تبقى الأسئلة المقلقة: كم من الوقت يمكن لمحافظة كاملة أن تعيش في الظلام؟ وهل ستتعلم الدروس من هذه الكارثة لتنويع مصادر طاقتها قبل أن يتكرر السيناريو المأساوي؟ الوقت ينفد، والحلول تحتاج لإرادة سياسية قوية واستثمارات ضخمة قد تكون الفارق بين النور والظلام في المستقبل.