في لحظة تاريخية هزت أركان المعاناة التي استمرت سنوات، تتنفس أكثر من 50 ألف عائلة يمنية الصعداء اليوم بعد إعلان بدء صرف مرتبات ومعاشات متأخرة لموظفي 16 قطاعاً حكومياً في عدن وحضرموت. للمرة الأولى منذ أزمة 2015، تشهد المحافظتان عملية صرف شاملة تعيد الكرامة لآلاف الموظفين الذين انتظروا 8 أشهر كاملة، بينما يسابق المسؤولون الزمن لصرف مليارات الريالات قبل نهاية العام.
في مشهد يحبس الأنفاس، اكتظت فروع بنك القاسمي بطوابير الموظفين والمتقاعدين الذين تلألأت عيونهم بدموع الفرح. أحمد محمد، موظف بوزارة الصحة البالغ من العمر 45 عاماً، يروي لحظة استلام راتبه بعد 8 أشهر: "بعت أثاث منزلي لأطعم أطفالي، واليوم أخيراً سأعيد لهم كرامتهم." الأرقام تتحدث بوضوح: القطاعات تشمل الصحة والتعليم والأشغال العامة والنفط والمعادن، في حين تستعد مؤسسة المياه والطرق لصرف مستحقات متراكمة منذ بداية 2024.
وخلف هذه الانفراجة المفاجئة، قصة معاناة امتدت 9 سنوات كاملة منذ اندلاع الصراع اليمني. آخر عملية صرف منتظمة شهدتها هذه المحافظات كانت قبل عام 2015، عندما كانت المرتبات تُصرف في مواعيدها دون تأخير. د. محمد الحميري، الخبير الاقتصادي، يعلق: "هذا مؤشر إيجابي على تحسن الإيرادات الحكومية، لكن التحدي الحقيقي يكمن في ضمان الاستدامة." التحليلات تشير إلى أن تراكم الضغوط الشعبية والجهود الحكومية المتضافرة أدت إلى هذا القرار التاريخي.
في منازل المحافظتين، تتغير ملامح الحياة بشكل جذري. العائلات التي اعتادت على وجبة واحدة يومياً تخطط الآن لشراء الضروريات، بينما يستعد الأطفال للعودة إلى المدارس بعد أن اضطروا للعمل لإعالة أسرهم. سالم باعوضة، متقاعد يبلغ من العمر 67 عاماً، يمسح دموعه قائلاً: "انتظرت 6 أشهر لأحصل على معاشي، أخيراً سأطعم أحفادي وأشتري لهم الدواء." الأسواق المحلية تشهد حركة تجارية منعشة، والصيدليات تعج بالزبائن الذين حُرموا من الأدوية لشهور.
بينما تحتفل الأسر بهذه الانفراجة التاريخية، تبقى الأعين معلقة على المستقبل. هل ستكون هذه بداية عهد جديد من الانتظام المالي، أم مجرد هدنة مؤقتة في حرب طويلة ضد الفقر؟ على الحكومة الآن إثبات قدرتها على ضمان استدامة هذه العملية، فيما ينصح الخبراء الموظفين بالتخطيط المالي الحكيم وعدم الإفراط في الإنفاء. السؤال الذي يؤرق الجميع: متى ستشمل هذه البركة باقي المحافظات اليمنية التي لا تزال تنتظر؟