في جريمة تاريخية تهز ضمير العالم، تكشف القائمة الـ28 المفجعة عن نهب 31 كنزاً يمنياً جديداً يُباع في مزادات دولية، ليرتفع العدد الإجمالي للآثار المسروقة إلى أكثر من 868 قطعة أثرية تمثل ذاكرة حضارة عمرها 5000 سنة. هذه القائمة الصادمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة - فكل 12 يوماً تقريباً تظهر قائمة جديدة بكنوز يمنية تُباع تحت أعين العالم الصامت، بينما الشعب اليمني يواجه أقسى أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.
الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية تصدر صرخة جديدة من الألم عبر هذه القائمة المرقمة 28، التي تفضح عمليات النهب المنظم لتراث إنساني لا يقدر بثمن. د. سلمى الأثري، مديرة إدارة الآثار، تقول بصوت يرتجف من الغضب: "لن نتوقف عن ملاحقة تراثنا المسروق حتى لو استغرق الأمر عقوداً... كل قطعة تُباع هي جزء من روح شعب كامل يُمزق أمام أعين العالم." أحمد المحطوري، حارس متحف زفار التراثي البالغ من العمر 65 عاماً، يروي بمرارة: "رأيت اللصوص ينقبون ليلاً بأصوات المعاول التي تخترق صمت التاريخ، لكنني وحدي لا أستطيع إيقاف هذه الجريمة المنظمة."
هذه الفضيحة ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى عقد من الحرب الدامية التي حولت اليمن من مهد الحضارات إلى ساحة نهب مفتوحة أمام شبكات التهريب الدولية. الصراع الذي بدأ عام 2015 خلق فراغاً أمنياً استغلته عصابات منظمة لتحويل المواقع الأثرية إلى "مناجم ذهب" تُستخرج منها كنوز حضارات سبأ وحمير ومعين. د. محمد السبئي، خبير الآثار اليمنية، يحذر قائلاً: "ما نشهده اليوم يفوق في بشاعته نهب متحف بغداد عام 2003 أو تدمير تدمر في سوريا... إنها إبادة ثقافية منهجية."
بينما تُعرض هذه الكنوز في قصور المزادات الفاخرة في لندن ونيويورك وباريس، يعيش أصحابها الحقيقيون أسوأ أزمة إنسانية في العالم. علي الحجري، المرشد السياحي السابق، يقف أمام أنقاض ما كان يوماً متحفاً يستقبل آلاف الزوار سنوياً: "المواقع التي كانت تنبض بالحياة والفخر أصبحت مقابر مفتوحة تفوح منها رائحة التراب المنقب والذكريات المحطمة." القطع المسروقة لا تُقدر بالمال فحسب، بل تمثل هوية شعب كامل يُباع في مزاد علني بينما العالم يتفرج. كل تمثال مسروق، كل نقش منهوب، كل قطعة ذهبية تتلألأ في صالات المزادات الأوروبية تصرخ: "أعيدوني إلى وطني!"
الهيئة العامة للآثار لا تقف مكتوفة الأيدي، فهي تخوض سباقاً محموماً مع الزمن لتوثيق هذه الجرائم ومطالبة العالم بالعدالة. لكن السؤال المؤلم يبقى معلقاً في الهواء مثل غبار المواقع المنهوبة: هل سنترك حضارة عمرها 5000 سنة تُمحى من الوجود وتُباع لأعلى مزايد؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ليس فقط مصير التراث اليمني، بل مصير ضمير الإنسانية جمعاء. الوقت ينفد، والذاكرة تُسرق قطعة قطعة، فمن سيوقف هذه الجريمة قبل أن يصبح التراث اليمني مجرد صور في كتب التاريخ؟