في صدمة اقتصادية مدوية، يحتاج المواطن اليمني في عدن إلى 1,625 ريال لشراء دولار واحد، بينما يكفي 540 ريالاً فقط في صنعاء، بلد واحد، عملة واحدة، لكن قيمتان مختلفتان تماماً! كل دقيقة تأخير في اتخاذ قرار مالي قد تكلف المواطن اليمني ثروة. انهيار، صدمة، كارثة، انقسام، معاناة، صراع - هذه الكلمات تكرر نفسها في وجوه اليمنيين. تفاصيل هذه الكارثة الاقتصادية تأتي تباعاً...
كشف أسعار الصرف اليوم عن فجوة مرعبة تصل إلى 200% بين أسعار الدولار في المدينتين اليمنيتين. فارق 1,080 ريال للدولار الواحد يعني أن راتب شهر كامل في صنعاء لا يساوي أسبوعين في عدن. هذا ليس مجرد تباين في الأسعار، بل انهيار حقيقي لمفهوم الوحدة الاقتصادية. العائلات اليمنية تجد نفسها محاصرة بين نارين: غلاء الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية. "أحمد المحمدي"، موظف في عدن، يقول: "راتبي البالغ 100 ألف ريال يساوي 61 دولار فقط". وفي صفوف الصرافين، تهمهم "فاطمة علي" بقلق: "أصبحت لا أستطيع شراء الحليب لأطفالي". الأصوات تعلو في محلات الصرافة، وأصوات اليأس تخيم على الأسواق المزدحمة.
منذ انقسام السيطرة على البنك المركزي عام 2016، بدأت أزمة الريال تفاقم، في مشهد يذكرنا بأزمة لبنان الاقتصادية وتعدد أسعار الصرف. سيطرة أطراف مختلفة على موارد النقد الأجنبي وسياسات مختلفة في إدارة العملة تساهم في هذا التدهور. المحللون يحذرون من انهيار اقتصادي شامل في حال استمرار هذا التباين، لافتين إلى السيناريوهات المشابهة في التاريخ الاقتصادي الحزين لعالمنا. "كالانقسام الاقتصادي بين ألمانيا الشرقية والغربية قبل الوحدة"، هذه عِبرة لا يغفل عنها الخبراء المراقبون.
المواطن البسيط أصبح يحسب كل ريال قبل إنفاقه. موجة هجرة داخلية نحو المناطق ذات القيمة الشرائية الأعلى تبدو حتمية. "تحولوا للذهب، تجنبوا الاحتفاظ بالريال"، ينصح الخبراء. وبين يأس المواطنين وجشع المضاربين، تظل الحياة اليومية في اليمن صوراً من المعانا الشديدة. أراء مختلفة تعلو: "سالم الحارثي"، مضارب عملة، يحقق أرباحاً من نقل العملة بين المدينتين، أما "د. فؤاد العولقي"، الخبير الاقتصادي، فيحذر: "هذا التباين يدمر الاقتصاد الوطني".
اليمن يواجه أزمة اقتصادية مضاعفة: حرب وانقسام نقدي. إما الوحدة الاقتصادية أو الانهيار الكامل. الحاجة الملحة لتدخل عاجل لتوحيد النظام النقدي أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ولكن يبقى السؤال الملح: "كم من الوقت يمكن لشعب أن يصمد أمام هذا التدهور الاقتصادي المتسارع؟"