أحدثت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن هزة كبيرة في أوساط منظمات المجتمع المدني اليمنية بإصدارها تعميماً صارماً يقضي بتجميد جميع الحسابات المصرفية لهذه المنظمات في شركات الصرافة المرخصة، مع منع فتح أي حسابات جديدة، في خطوة تؤثر على نحو 60% من المنظمات العاملة في المحافظات المحررة.
القرار الحكومي الجديد والمفاجئن أصدره الدكتور محمد سعيد الزعوري، وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، موجهاً إلى مديري مكاتب الوزارة في جميع المحافظات والمدراء التنفيذيين لشركات الصرافة المرخصة من البنك المركزي في عدن.
ويأتي هذا الإجراء في إطار تعزيز الرقابة والإشراف على الأنشطة المالية للمنظمات الأهلية، وفقاً لما أوضحته الوزارة في بيانها الرسمي.
تكمن خطورة القرار في توقيته وشموليته، حيث يؤثر على شريحة واسعة من المنظمات التي اعتمدت لسنوات طويلة على شركات الصرافة كبديل للنظام المصرفي المتعثر.
فخلال فترات الاضطراب التي شهدتها البنوك اليمنية، لجأت معظم منظمات المجتمع المدني إلى شركات الصرافة لاستلام التحويلات الخارجية وإدارة عملياتها المالية، خاصة تلك المتعلقة بالعملات الأجنبية.
أسست الوزارة قرارها على مجموعة شاملة من التشريعات النافذة، في مقدمتها القانون رقم (1) لسنة 2001 الخاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية، والقانون رقم (1) لسنة 2010 لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بتعديلاته المختلفة.
كما استند التعميم إلى قرارات مجلس الدفاع الوطني ومجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء، بما يشمل القرار الأخير بحظر استخدام العملات الأجنبية بديلاً عن الريال اليمني في المعاملات التجارية والمالية.
يتضمن القرار الجديد إلزام المنظمات المتأثرة بمراجعة الوزارة فوراً لاستكمال إجراءات نقل أرصدتها من شركات الصرافة إلى البنوك المعتمدة. وحددت السلطات الموعد النهائي لإتمام هذه العملية في 31 ديسمبر 2025، مما يمنح المنظمات مهلة زمنية تمتد لأكثر من عام لتسوية أوضاعها وفق المتطلبات الجديدة.
ووفقاً لمصادر الوزارة، فإن هذه الخطوة جاءت بعد رصد مخالفات متكررة تمثلت في استخدام شركات الصرافة كبدائل للبنوك، مما أدى إلى انتشار ما وصفته الوزارة بـ"ظواهر التمويل غير الشفاف". وأكد الوزير الزعوري أن الهدف يتمثل في تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة في عمل منظمات المجتمع المدني، ومنع أي ممارسات قد تُستغل في تمويل أنشطة غير مشروعة.
تخطط الوزارة لتشكيل لجان فنية مشتركة مع البنك المركزي ووحدات التحريات المالية، بهدف متابعة تنفيذ القرار ورصد أي محاولات للتحايل أو الاستمرار في استخدام القنوات غير الرسمية. هذا الإجراء يعكس جدية السلطات في تطبيق القرار وضمان امتثال جميع المنظمات للتوجيهات الجديدة.
يصدر هذا القرار في وقت تشهد فيه البنوك اليمنية، خاصة في عدن، تحسناً نسبياً في الأداء بعد سنوات من التوقف والاضطراب، مما يجعل إعادة تفعيل العمليات المصرفية أمراً ممكناً وآمناً. غير أن التقارير المحلية تشير إلى أن أكثر من 60% من منظمات المجتمع المدني في المحافظات المحررة كانت تعتمد بشكل أساسي على شركات الصرافة لاستلام التحويلات الخارجية، خاصة في ظل ضعف البنية المصرفية السابق وصعوبات فتح الحسابات بالعملة الصعبة. وهو ما يجعل عملية الانتقال إلى النظام المصرفي الرسمي تحدياً كبيراً يتطلب تخطيطاً دقيقاً وتنسيقاً مع البنوك المعتمدة لضمان استمرارية عمل هذه المنظمات وخدماتها المجتمعية الحيوية.