شهدت أسهم البتروكيماويات السعودية تحولاً مفاجئاً من خسائر حادة تقدر بالمليارات إلى ارتداد قوي خلال الأسابيع الأخيرة، مما دفع بقطاع المواد الأساسية لدعم المؤشر العام للسوق المالية السعودية "تاسي" الذي تماسك فوق عتبة 10900 نقطة المهمة للمستثمرين.

المحللون الماليون يعزون هذا التحول الجذري إلى مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، أبرزها وصول أسهم الشركات البتروكيماوية إلى مستويات دون قيمتها العادلة بعد فترة من التراجعات القاسية، إضافة إلى توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية التي عززت شهية المستثمرين ودفعت المؤسسات المالية لإعادة التوازن في محافظها الاستثمارية.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ترك الباب مفتوحاً أمام خفض أسعار الفائدة في سبتمبر خلال كلمته في مؤتمر البنوك المركزية بجاكسون هول، مشيراً إلى "تحول في توازن المخاطر" قد يستدعي تعديل السياسة النقدية، وهو ما انعكس إيجابياً على الأسواق بشكل عام وقطاع البتروكيماويات تحديداً.

محمد الميموني، المستشار المالي في شركة المتداول العربي، أكد أن قطاع المواد الأساسية وعلى رأسه البتروكيماويات سجل ارتداداً واضحاً خلال الأسبوع الجاري مدعوماً بارتفاع جماعي لأسهمه بنسبة بلغت نحو 2.8%. وأوضح أن هذا الارتفاع انعكس بشكل مباشر على أداء المؤشر العام للسوق السعودية، نظراً لثقل هذا القطاع ومكوناته الكبرى مثل "سابك" و"ينساب".

أحمد الرشيد، المحلل المالي الأول في صحيفة "الاقتصادية"، أشار إلى أن تحسن أداء أسهم شركات البتروكيماويات بالإضافة إلى تحركات النفط الجيدة تعزز جاذبية السوق للمتعاملين، خصوصاً في ظل التراجعات الحادة التي تكبدتها السوق بنسبة 9% منذ بداية العام، مما يجعل الأسعار عند مستويات جاذبة للاستثمار.

العامل الحاسم في هذا التحول يكمن في إعادة هيكلة قطاع البتروكيماويات على المستوى العالمي، خاصة في الصين وكوريا الجنوبية، ومن قبلهما في أوروبا، وهو ما يعطي دفعة معنوية جيدة لشركات البتروكيماويات السعودية في ظل ميزتها التنافسية المتمثلة في انخفاض تكاليف الإنتاج وقرب مصادر المواد الخام.

محمد الفراج، رئيس أول إدارة الأصول في "أرباح المالية"، توقع أن شركات البتروكيماويات ستستفيد بشكل كبير من خفض الفائدة المرتقب، بفضل تحسن الدورة الاقتصادية المرتبطة بتصدير البتروكيماويات إلى الصين وأوروبا، مما سيؤدي لارتفاع الطلب وتحسن هوامش الربحية. وأضاف أن القطاع سيحقق نتائج أفضل خلال النصف الثاني من العام خصوصاً بعد إعادة هيكلة قطاع البتروكيماويات في الصين، مما سيؤدي إلى نقص في المعروض ويدفع أسهم القطاع للارتفاع في المملكة.

رغم هذا التفاؤل، لا تزال هناك تحديات تواجه القطاع، خاصة مع استمرار ضعف الطلب العالمي على المنتجات البتروكيماوية في بعض المناطق، وهو ما انعكس على أداء شركة "سابك" التي سجلت خسائر فصلية غير متوقعة خلال الربع الثاني من العام بلغت 4.07 مليار ريال، مقابل أرباح متوقعة قدرها 504 ملايين ريال، مما يعكس عمق التحديات التي تواجهها الشركة.

يوسف يوسف، المحلل المالي، أكد أن القطاعات القيادية ستكون من أكبر المستفيدين من خفض الفائدة، مشيراً إلى أن شركات البتروكيماويات تعتمد في هيكلها الرأسمالي على التمويل بشكل كبير، مما يجعلها تستفيد مباشرة من انخفاض تكاليف الاقتراض وتحسن قدرتها على تمويل مشاريعها التوسعية.

البيانات السوقية تظهر أن مؤشر قطاع المواد الأساسية ارتفع بنحو 0.7% في إحدى الجلسات الأخيرة، مع تسجيل أسهم "سابك للمغذيات" و"سيرا" أعلى سعر سنوي لهما، بينما بلغت قيم التداولات 2.4 مليار ريال في منتصف إحدى الجلسات، وكانت "سابك" و"أرامكو" و"الراجحي" الأعلى تداولاً بقيم تجاوزت 100 مليون ريال لكل منها.

ماجد الخالدي، المحلل المالي الأول لدى صحيفة "الاقتصادية"، رأى أن تلميحات جيروم باول لخفض محتمل في أسعار الفائدة دعمت أسهم البنوك وبعض الشركات ذات المديونية المرتفعة. وأوضح أن الإغلاق فوق مستوى 10950 نقطة من شأنه أن يحرر السوق بعدما ظلت حبيسة مسار عرضي خلال الأسابيع القليلة الماضية لتتمكن من تجاوز 11 ألف نقطة وربما 11200 نقطة.

السوق السعودية تشهد أيضاً تحسناً تدريجياً في السيولة التي بلغت 4.2 مليار ريال في إحدى الجلسات، تزامناً مع زيادة جاذبية السوق للمستثمرين وتحسن معنوياتهم تجاه القطاعات الرئيسية، خاصة مع توقعات استمرار الاتجاه الإيجابي للبتروكيماويات في الأشهر القادمة بفضل العوامل الهيكلية المؤثرة على المعروض العالمي.