يمثل مشروع "جسر القرن الإفريقي" أو "جسر باب المندب"، رؤية طموحة لإحداث تحول جيواستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي من خلال ربط قارتي آسيا وأفريقيا عبر إنشاء جسر بحري عملاق يربط اليمن بجيبوتي فوق مضيق باب المندب.
طُرحت فكرة هذا المشروع العملاق لأول مرة عام 2008، ليشكّل واحداً من أضخم المشاريع الهندسية المقترحة في المنطقة، بتكلفة تقديرية تتراوح بين 10 إلى 20 مليار دولار أمريكي.
ورغم أهميته الاستراتيجية والاقتصادية الكبيرة، إلا أنه واجه عدة تحديات حالت دون تنفيذه حتى الآن.
تفاصيل مشروع جسر القرن الإفريقي:
يمتد المشروع المقترح بطول يُقدّر بحوالي 28.5 كيلومتر فوق مضيق باب المندب، ويتضمن تصميمه إنشاء طريق سريع بستة مسارات إلى جانب خط سكة حديد بأربعة مسارات.
وأفادت التقارير الصحفية أن المشروع سيشمل أيضًا بنية تحتية متكاملة تضم خطوطًا لنقل الغاز والمياه، مما يعزز من التواصل الخدماتي بين القارتين.
ولعل أبرز سمات هذا المشروع الاستراتيجي هو خطط بناء "مدينتي النور" على طرفي الجسر، واحدة في اليمن والأخرى في جيبوتي، بمساحة إجمالية تصل إلى 2100 كيلومتر مربع.
وتشير دراسات الجدوى الأولية إلى أن تنفيذ المشروع سيتطلب تضافر جهود هندسية وفنية استثنائية نظرًا للطبيعة الجغرافية للمنطقة وعمق المياه في مضيق باب المندب.
كما أن المشروع يحتاج إلى تعاون دولي واسع النطاق، خاصة من الدول الإقليمية والقوى الدولية المهتمة بالمنطقة، نظرًا لأهميته الاستراتيجية والتكلفة المالية الضخمة المقدرة له.
الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية للمشروع:
يحمل مشروع جسر القرن الإفريقي إمكانات هائلة لتعزيز الاقتصادات الإقليمية، حيث سيساهم في تحسين الربط التجاري والنقل بين دول الخليج العربي وأكثر من 16 دولة أفريقية.
وتوضح المصادر المتخصصة أن هذا المشروع سيحول اليمن إلى مركز تجاري استراتيجي، مما سينعكس إيجابًا على اقتصادها المتعثر حاليًا.
كما أن الجسر سيختصر المسافات ويقلل زمن نقل البضائع والمسافرين بين القارتين، مما يعزز التبادل التجاري ويخفض تكاليف النقل والشحن.
بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يكتسب المشروع أهمية استراتيجية كبيرة في تعزيز الأمن الإقليمي بمنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وتشير التقارير إلى أن تنفيذه سيحدث تحولًا عميقًا في البنية التحتية للمنطقة، مع توقعات بتنشيط قطاعات حيوية مثل النقل والسياحة والاستثمار.
ويمكن لهذا المشروع أن يساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني في منطقة تعاني من اضطرابات متعددة، من خلال خلق فرص عمل واستثمارات جديدة تنعكس إيجابًا على المجتمعات المحلية.
تحديات تواجه المشروع حالياً:
على الرغم من الفوائد الواعدة لمشروع جسر القرن الإفريقي، يواجه تنفيذه تحديات جوهرية يأتي في مقدمتها الوضع الأمني والسياسي المضطرب في اليمن.
فقد أدى الصراع المستمر في البلاد منذ سنوات إلى تعطيل إمكانية المضي قدمًا في تنفيذ المشروع، حيث تحتاج مشاريع البنية التحتية الضخمة إلى بيئة مستقرة ومناخ آمن للاستثمار.
وتؤكد مصادر إخبارية متعددة أن انعدام الاستقرار السياسي يعد عقبة رئيسية أمام استقطاب المستثمرين وضمان التمويل اللازم لتنفيذ المشروع.
علاوة على التحديات الأمنية، يواجه المشروع تحديات فنية ولوجستية كبيرة تتعلق بطبيعة المنطقة الجغرافية وخصائصها البحرية. وتتطلب إقامة جسر بهذا الحجم فوق مضيق مائي استراتيجي مثل باب المندب تقنيات هندسية متطورة وخبرات فنية عالية.
ويضاف إلى ذلك تحدي التمويل، إذ تبلغ التكلفة المقدرة للمشروع عشرات المليارات من الدولارات، مما يتطلب حشد استثمارات ضخمة واتفاقيات تمويل دولية معقدة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة.
رغم بقاء مشروع جسر القرن الإفريقي في مرحلة التخطيط دون توقيع اتفاقيات إطارية رسمية بين حكومتي اليمن وجيبوتي، يظل هناك اهتمام متجدد بإحياء هذه الفكرة الاستراتيجية.
ويمثل هذا المشروع فرصة حقيقية لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة اقتصاديًا وجيوسياسيًا، خاصة مع تزايد الاهتمام الدولي بمنطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر.
وتبقى إمكانية تنفيذ المشروع مرهونة بتحسن الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وقدرة الأطراف المعنية على تجاوز التحديات الحالية وصياغة رؤية مشتركة لمستقبل التنمية والاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة.