في ظاهرة اقتصادية تحير الخبراء، يخسر كل مواطن يمني يحمل 100 دولار ويتنقل من عدن إلى صنعاء مبلغ 1096 ريال يمني فقط بسبب فجوة الأسعار المذهلة. هذا الرقم الصادم يكشف عن حقيقة مؤلمة: في بلد واحد، عملة واحدة، لكن ثلاثة أسعار مختلفة تماماً. الخبراء يحذرون: كل دقيقة تأخير في فهم هذا الوضع الاستثنائي قد تكلفك مئات الريالات من مدخراتك.
الأرقام تحكي قصة صادمة: الدولار الأميركي يُباع في عدن بـ1632 ريال، بينما لا يتجاوز 536 ريال في صنعاء - فجوة تصل إلى 300% تُعتبر الأكبر في تاريخ اليمن المعاصر. "البنك المركزي في عدن يحارب المضاربة بكل قوته، لكن الانقسام السياسي يجعل التوحيد شبه مستحيل"، يكشف مصدر مصرفي رفيع المستوى. أحمد الحضرمي، تاجر في الستينات من عمره، يروي معاناته: "أحتاج لتحويل أموالي بين المحافظات لكنني أخسر ثلث قيمتها في كل مرة."
هذا الوضع المتفجر ليس وليد اللحظة، بل نتيجة سنوات من الحرب التي أدت لانقسام نقدي غير مسبوق في التاريخ المعاصر. الخبير الاقتصادي د. عبدالله الصنعاني يحذر: "الوضع مشابه لما حدث في يوغوسلافيا السابقة، حيث انقسمت العملة قبل انقسام الدولة نفسها." العوامل المؤثرة متشابكة: الصراع السياسي، ضعف التنسيق بين السلطات، المضاربات الجامحة، والعقوبات الدولية. محافظ البنك المركزي في عدن، د. محمد الهتاري، نجح نسبياً في تحقيق الاستقرار، لكن التحدي الأكبر يبقى في توحيد السياسة النقدية على مستوى البلاد.
فاطمة العدنية، ربة بيت في الأربعينات، تجسد معاناة المواطن العادي: "أتابع أسعار الصرف يومياً قبل شراء احتياجات البيت، فالسعر يتغير كالطقس." التأثير يمتد لكافة جوانب الحياة: العائلات تنقسم مالياً حسب مناطق إقامتها، التجار يخسرون أرباحهم في النقل بين المحافظات، والمواطنون محتارون بين الاحتفاظ بالريال أم التحول للعملات الأجنبية. الخبراء يحذرون من سيناريوهات أسوأ: انهيار كامل للعملة في إحدى المناطق، أو تعميق الانقسام الاقتصادي لدرجة يصبح معها التوحيد مستحيلاً حتى بعد انتهاء الصراع.
رغم الاستقرار النسبي في الجنوب، تبقى الوحدة النقدية الوطنية حلماً بعيد المنال. الطريق نحو التوحيد النقدي طويل ومحفوف بالمخاطر، والتحديات الجسيمة تتراكم يومياً. على المواطنين اليمنيين متابعة الأسعار بحذر والتخطيط المالي الذكي لحماية مدخراتهم. السؤال الذي يؤرق الجميع: متى ستعود اليمن لعملة موحدة حقاً؟ وبأي ثمن سيكون هذا التوحيد؟