في تطور صادم هز الأوساط الاقتصادية، عادت سوق الصرافة السوداء لتنشر مخالبها في شوارع عدن خلال 48 ساعة فقط، بعد اختفاء دام عدة أشهر عقب الإجراءات الرقابية المشددة. ما يحدث في أحياء المنصورة والشيخ عثمان مساءً يحدد سعر رغيف الخبز صباح اليوم التالي، في مشهد ينذر بعودة الفوضى الاقتصادية التي ظن الجميع أنها انتهت إلى الأبد.
أبو أحمد، صراف غير مرخص عاد لنشاطه المسائي، يحقق أرباحاً يومية تفوق راتب الموظف الحكومي، بينما تشهد الشوارع الفرعية في منطقتي المنصورة والشيخ عثمان حركة محمومة لتبادل العملات. "السكان المحليون يؤكدون عودة البيع والشراء بشكل لافت"، حيث ظهرت فروق سعرية واضحة خلال يومي الثلاثاء والأربعاء فقط، مما أثار رعب المواطنين من انهيار وشيك للعملة المحلية.
الخلفية المرعبة لهذه العودة تكشف فشل السياسات الحكومية في معالجة الأزمة من جذورها. فبعد أشهر من الهدوء النسبي، انتشرت السوق السوداء كالنار في الهشيم، مستغلة غياب الرقابة الأمنية وضعف الاستقرار الاقتصادي. د. محمد الحدّاد، خبير اقتصادي، يحذر: "عودة السوق السوداء مؤشر خطير على فشل السياسات النقدية"، مؤكداً أن الوضع يشبه عودة الحمى بعد فترة نقاهة، مما يثبت أن المرض لم يُعالج من أساسه.
أم فاطمة، معلمة متقاعدة من المنصورة، تجسد معاناة آلاف المواطنين: "اضطررت لشراء الدولارات من السوق السوداء لدفع تكاليف علاج ابني، والأسعار ترتفع كل ساعة". التأثير المدمر لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد ليشمل ارتفاع أسعار السلع المستوردة وتآكل القوة الشرائية. عبدالله سالم، تاجر في الشيخ عثمان، يشهد يومياً طوابير المواطنين الباحثين عن صرف العملات بأسعار مرتفعة، في مشهد يذكر بأسوأ أيام الأزمة الاقتصادية.
كل يوم تأخير في معالجة هذه الأزمة يعني فقدان المزيد من قيمة مدخرات المواطنين. الخبراء يحذرون من أن انتشار الظاهرة لمناطق أخرى بات وشيكاً، مما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي شامل. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستنجح السلطات هذه المرة في القضاء على السوق السوداء نهائياً، أم أن عدن على موعد مع كارثة اقتصادية جديدة قد تدمر ما تبقى من استقرار العملة المحلية؟
