في مسافة 500 كيلومتر فقط، يفقد اليمني 203% من قيمة أمواله! تباين صادم يضرب أسعار العملات في اليمن، حيث يبلغ سعر الدولار الواحد 536 ريالاً في صنعاء مقابل 1629 ريالاً في عدن - فارق مدمر يقدر بـ1083 ريالاً يساوي راتب موظف حكومي لمدة شهرين. نفس الراتب يشتري ضعف الاحتياجات في صنعاء مقارنة بعدن، في مشهد ينذر بكارثة اقتصادية تهدد بتقسيم الوطن الواحد إلى دولتين مختلفتين تماماً.
أحمد المهاجر البالغ من العمر 45 عاماً، والذي يعمل في السعودية يروي مأساته: "كنت أرسل 300 دولار شهرياً لأسرتي في عدن، الآن يحصلون على نصف احتياجاتهم فقط." بينما يحتفل محمد التاجر من صنعاء بتوفير 40% من تكلفة وارداته بفضل انخفاض سعر الصرف. د. فيصل الاقتصادي، المحلل المالي يحذر قائلاً: "هذا التباين يعكس انقساماً اقتصادياً خطيراً قد يؤدي لانهيار كامل في غضون أشهر." الفارق لا يقتصر على الدولار فقط، بل يمتد للريال السعودي الذي يسجل 140 ريالاً في صنعاء مقابل 427 ريالاً في عدن.
الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل تعكس انقسام البنك المركزي وطباعة العملة من جهتين مختلفتين منذ 2014. قبل الحرب عام 2015، كان الدولار يساوي 215 ريالاً فقط، أما اليوم فقد انهار بنسب متفاوتة حسب المنطقة الجغرافية. الصراع السياسي والسيطرة على الموانئ والمساعدات الخارجية تلعب دوراً محورياً في هذا التباين المدمر. الخبراء يقارنون الوضع بانقسام ألمانيا نقدياً بين الشرق والغرب، محذرين من سيناريو مشابه لأزمة فنزويلا 2018 أو لبنان 2019.
فاطمة، ربة بيت من عدن، تكشف الواقع المؤلم: "أصبحت أتسوق مرة واحدة أسبوعياً بدلاً من يومياً، والأطفال يسألون عن أشياء لم نعد نستطيع شراءها." التأثير يتجاوز التسوق ليصل للعلاج والتعليم، حيث تتوقع التقارير هجرة جماعية من الجنوب للشمال اقتصادياً خلال الأشهر القادمة. طوابير طويلة تصطف أمام محلات الصرافة في عدن، بينما يتردد صراخ التجار ونقاشاتهم الحادة حول أسعار متضاربة تتغير كل ساعة. الفرصة الذهبية للاستثمار في الشمال تقابلها مخاطر فادحة لمن يحتفظ بالنقد في الجنوب.
التباين الصادم بنسبة 203% يهدد بتقسيم اليمن اقتصادياً إلى دولتين منفصلتين، والمؤشرات تنذر بأن الأسوأ قادم. السيناريوهات المحتملة تتراوح بين انهيار كامل في الجنوب أو تدخل دولي عاجل لتوحيد النظام النقدي. الحل يكمن في توحيد البنك المركزي فوراً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن يصبح الانقسام دائماً. السؤال المصيري: هل سيشهد اليمن انقساماً اقتصادياً دائماً أم ستنقذه معجزة في اللحظة الأخيرة؟