في تطور صادم هز أسواق العاصمة عدن، سجلت أسعار الأسماك اليوم الجمعة أرقاماً قياسية مذهلة وصلت إلى 24 ألف ريال للكيلو الواحد من سمك الديرك - مبلغ يعادل راتب موظف حكومي لأسبوع كامل! هذا الانفجار في الأسعار يضع الأسر اليمنية أمام معضلة حقيقية، حيث أصبح البروتين الأساسي بعيد المنال عن معظم المواطنين الذين يواجهون أصعب أزمة غذائية منذ بداية الحرب.
شهدت أسواق السمك المركزية في عدن مشاهد مؤلمة من ربات البيوت يقفن حائرات أمام المحلات، عاجزات عن شراء احتياجاتهن الأساسية. أم أحمد، أم لخمسة أطفال، تروي بصوت مختنق: "جئت لأشتري كيلوين من السمك كالمعتاد، لكنني اكتشفت أن المبلغ الذي معي لا يكفي حتى لنصف كيلو!" التفاوت الصارخ في الأسعار وصل إلى نسبة 200% بين أرخص الأنواع وأغلاها، حيث تراوحت الأسعار بين 8 آلاف ريال للثمد والبياض، وصولاً إلى السقف الجنوني لسعر الديرك.
تكشف الأرقام الجديدة عن أزمة اقتصادية مركبة تضرب القطاع السمكي في عدن، والذي يعاني من تداعيات ارتفاع أسعار الوقود وتقلبات المناخ وضعف الرقابة الحكومية. الدكتور عبدالله الصياد، خبير الثروة السمكية، يؤكد أن "هذه الأسعار تفوق ما كنا عليه قبل الحرب بأكثر من 10 أضعاف، والوضع قابل للتفاقم أكثر دون تدخل عاجل." المقارنة مع الأسعار التاريخية تظهر كيف تحول كيلو السمك من وجبة عادية إلى "قطعة ذهب صغيرة" كما يصفها المتسوقون.
على الصعيد الشخصي، تضطر الأسر اليمنية الآن لإعادة ترتيب أولويات إنفاقها الغذائي بشكل جذري. فاطمة سالم، 35 سنة، تروي تجربتها المرة: "اضطررت لشراء ربع كيلو فقط بدلاً من الكيلو الكامل، وحتى أطفالي لاحظوا الفرق في كمية السمك على المائدة." خبراء التغذية يحذرون من تراجع خطير في استهلاك البروتين، خاصة بين الأطفال والحوامل، بينما يرى البعض فرصة للاستثمار في مشاريع تربية الأسماك والتعاونيات الاستهلاكية كحلول بديلة. المطاعم الشعبية بدأت بالفعل في رفع أسعارها أو استبدال السمك ببدائل أرخص.
تكشف هذه الأزمة عن تحدٍ حقيقي يواجه مستقبل الأمن الغذائي في اليمن، حيث يتوقع الخبراء مزيداً من الارتفاع دون تدخل حكومي فوري لتنظيم السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطنين. الحاجة ملحة لإيجاد حلول سريعة تشمل دعم الصيادين وتوفير الوقود بأسعار مدعومة وتفعيل الرقابة على الأسواق. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستصبح الأسماك حكراً على الأغنياء في بلد محاط بالبحار من ثلاث جهات؟