في مشهد يحطم كل المفاهيم الاقتصادية المعقولة، يدفع أهل عدن اليوم 192 ألف ريال لشراء جرام ذهب واحد عيار 21، بينما يحصل عليه سكان صنعاء مقابل 62 ألف ريال فقط - فارق مذهل يتجاوز 3 أضعاف كاملة لنفس السلعة في نفس البلد! هذا الجنون الاقتصادي يكشف عن كارثة حقيقية تمزق اليمن إلى اقتصادين منفصلين تماماً، والخبراء يحذرون: الأسوأ لم يأتِ بعد.
فاطمة أحمد، ربة منزل من صنعاء، تروي مأساتها: "كنت أحلم بشراء طقم ذهب لابنتي العروس، لكن عندما علمت أن نفس الطقم في عدن يكلف أكثر من راتب زوجي لثلاثة أشهر، تحطم الحلم أمام عيني". هذا التفاوت الصاعق البالغ 130 ألف ريال للجرام الواحد يعكس انهياراً اقتصادياً لم تشهده المنطقة من قبل، حيث أصبح بريق الذهب الذي طالما كان رمزاً للأمان والادخار، كابوساً يلاحق الآلاف من العائلات اليمنية.
جذور هذه المأساة تعود إلى انقسام اقتصادي عميق بدأ منذ 2015 مع تعدد البنوك المركزية وانهيار نظام الصرف الموحد. الدكتور عبدالرحمن الحكيمي، خبير اقتصادي، يحذر: "ما نشهده اليوم يشبه ما حدث في لبنان خلال أزمة 2019، لكنه أخطر بكثير لأنه يحدث في بلد واحد مقسم". تذبذب أسعار الصرف وانقطاع سلاسل التوريد حولا الذهب من وسيلة ادخار آمنة إلى رفاهية لا يطالها سوى القلة المحظوظة.
التأثير المدمر لهذه الفوارق الجنونية يضرب الحياة اليومية للمواطنين بقسوة لا ترحم. علي محمد، مواطن من عدن، يصف الوضع: "شاهدت عروساً تبكي في محل الذهب لأن والدها لم يستطع شراء خاتم واحد بعد أن ارتفع السعر فجأة". آلاف حفلات الزفاف تم تأجيلها، ومئات الآلاف من العائلات تبحث عن بدائل للادخار بعد أن أصبح الذهب حلماً بعيد المنال. محمد السلامي، تاجر ذهب استفاد من هذه الفوارق، يكشف: "البعض يسافر من صنعاء إلى عدن لبيع الذهب والاستفادة من فرق السعر، لكن المخاطر عالية والرحلة محفوفة بالمخاطر".
مع ارتفاع سعر الذهب عالمياً إلى 4,084 دولار للأوقية، والفجوة المتسعة بين المدن اليمنية، يقف البلد على حافة انهيار اقتصادي شامل قد يحول الذهب إلى أسطورة من الماضي بالنسبة للمواطن العادي. الحل يتطلب تدخلاً عاجلاً لتوحيد النظام النقدي وإنهاء هذه المأساة الاقتصادية قبل أن تتحول إلى كارثة اجتماعية. السؤال المؤرق: هل سيصمد النسيج الاجتماعي اليمني أمام هذا الظلم الاقتصادي الفاضح، أم أن المجتمع سينفجر تحت وطأة هذه الفوارق القاتلة؟