في مشهد يبدو وكأنه من عالم مواز، يدفع المواطن في عدن 195,500 ريال مقابل جرام ذهب واحد عيار 21، بينما يحصل نظيره في صنعاء على نفس الجرام بـ 62,000 ريال فقط - فارق يصل إلى 215% في بلد واحد! هذه ليست مجرد أرقام، بل كارثة اقتصادية حقيقية تكشف عمق الانقسام الذي يعيشه اليمن، حيث أصبح الذهب مرآة عاكسة لمأساة شعب كامل.
أم أحمد، سيدة أربعينية من عدن، تقف أمام واجهة محل صاغة وهي تحمل أساورها الذهبية بيد مرتجفة: "كنت أحتفظ بهذه القطع لابنتي، لكن الحياة أجبرتني على بيعها". في المقابل، يروي محمد التاجر من صنعاء كيف نجح في مضاعفة أرباحه: "الفارق السعري يوفر فرصة ذهبية، لكن المخاطر الأمنية تجعل كل رحلة مغامرة". هذا التناقض الصارخ يعكس واقعاً أليماً حيث يعيش شعب واحد في عالمين اقتصاديين منفصلين.
جذور هذه الأزمة تمتد لأعوام من الحرب المدمرة التي بدأت عام 2014، والتي أدت إلى انقسام البلاد وظهور سلطتين نقديتين منفصلتين. د. علي الاقتصادي يفسر الظاهرة: "ما نشهده اليوم أكبر من مجرد تذبذب أسعار، إنه انهيار منظومة اقتصادية بأكملها". الوضع يشبه تماماً ما حدث في لبنان خلال الحرب الأهلية، لكن مع فارق أن اليمن يواجه تحدياً أكبر بسبب الجغرافيا الواسعة وصعوبة النقل بين المناطق المختلفة.
التأثير لا يقتصر على الأرقام المجردة، بل يمتد لحياة ملايين اليمنيين اليومية. سالم الصائغ، الذي يعمل في المهنة منذ 30 عاماً، يصف المشهد: "الزبائن يأتون لبيع ذهبهم لتأمين الطعام، وآخرون يشترون كملاذ أخير لحماية مدخراتهم". فيما تواجه العائلات اليمنية معضلة حقيقية في المناسبات الاجتماعية، حيث أصبح شراء الذهب للمهور والأفراح بمثابة حلم بعيد المنال. المفارقة أن نفس العائلة التي تشتري أساور الزفاف بـ مليوني ريال في عدن يمكنها الحصول على نفس القطعة بـ 650 ألف ريال في صنعاء.
بينما يحذر الخبراء من تفاقم الوضع، تطرح الأرقام تساؤلات مقلقة حول مستقبل البلاد الاقتصادي. مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب عالمياً لتصل 4,084 دولار للأوقية، يجد اليمنيون أنفسهم في دوامة مضاعفة من التضخم المحلي والعالمي. السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيستمر هذا الانقسام المدمر، أم ستجد البلاد طريقاً لتوحيد اقتصادها المنهار؟