في لحظة تاريخية هزت أروقة الإدارة الحكومية، أوقف الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز آل سعود مستقبل مسؤول حكومي بكلمات حازمة لن تُنسى: "تؤجل ترقية رئيس المركز حتى يخلص موضوع المواطن". معاملة واحدة متأخرة تساوي ترقية مؤجلة إلى أجل غير مسمى، في رسالة صاعقة تعيد تعريف معايير المساءلة في الخدمة العامة.
المشهد الذي وثقته الكاميرات في المجلس العام لإمارة منطقة عسير كان صادماً بكل المقاييس. وسط صمت مطبق يقطعه فقط صوت الأمير الحازم، وُجه السؤال القاتل: "ليش ما تابعت البلدية؟ ليش ما رحت وتابعت بنفسك وحركتها مثل ما تتابع أنت بنفسك ترقيتك عندي؟". أبو محمد، مواطن خمسيني من عسير، لم يكن يتوقع أن شكواه البسيطة ستغير مسار مهني كامل، لكن عدالة الأمير لا تفرق بين كبير وصغير.
هذا المشهد ليس مجرد لحظة عابرة، بل جزء من تحول جذري يشهده النظام الإداري السعودي في إطار رؤية 2030. خبراء الإدارة الحكومية يؤكدون أن هذا النموذج يذكرنا بعدالة الخلفاء الراشدين في محاسبة الولاة، حيث لا تسامح مع التقصير مهما كان صغيراً. د. عبدالله الإداري، خبير التطوير الحكومي، علق قائلاً: "هذا نموذج للمساءلة الفعالة سيصبح مرجعاً لكل المناطق".
التأثير الفوري لهذا القرار تخطى حدود منطقة عسير ووصل إلى كل مكتب حكومي في المملكة. سالم الحارثي، موظف حكومي شاهد المشهد، روى: "رأيت الخوف والتوتر في عيون جميع المسؤولين الحاضرين". المعادلة باتت واضحة: سرعة متابعة معاملات المواطنين يجب أن تماثل سرعة متابعة الترقيات الشخصية. أكثر من مليوني مواطن في منطقة عسير يستيقظون اليوم على واقع جديد، حيث معاملاتهم لم تعد مجرد ملفات متراكمة، بل أولويات تحدد مصائر المسؤولين.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سنشهد انتشار هذا النموذج الثوري في جميع مناطق المملكة؟ الأمير تركي بن طلال لم يكتف بالكلام، بل وضع معياراً جديداً للمساءلة الإدارية. للمواطنين: وثقوا معاملاتكم وطالبوا بحقوقكم، للمسؤولين: تابعوا عملكم كما تتابعون مصالحكم الشخصية. التغيير لم يعد قادماً، بل أصبح واقعاً يعيشه الجميع اليوم.