في لحظة تاريخية قد تعيد رسم خريطة الشرق الأوسط الاقتصادية، تستعد السعودية لإرسال أكبر وفد استثماري إلى لبنان منذ سنوات - 27 شخصية من قطاعات استثمارية مختلفة في مهمة قد تحدد مصير "سويسرا الشرق" للعقد القادم. هذه ليست مجرد زيارة دبلوماسية، بل اختبار مصيري لقدرة طائر الفينيق اللبناني على النهوض من رماد سنوات الانهيار.
الأمير يزيد بن فرحان، مستشار وزير الخارجية السعودي، سيقود هذا الوفد الاستثنائي إلى بيروت في مهمة محورها فتح قنوات استثمار شفافة وآمنة بعد أن أثبت لبنان كفاءته في تقليص تهريب المخدرات إلى المملكة. أحمد الحريري، مستثمر لبناني خسر 80% من أعماله خلال الأزمة، لا يخفي حماسه: "هذه المرة مختلفة، أشعر أن الفرصة الحقيقية وصلت أخيراً." فبعد سنوات من القطيعة الاقتصادية التي كلفت البلدين مليارات الدولارات، تلوح في الأفق بوادر شراكة قد تعيد لبنان إلى الواجهة كمركز مالي إقليمي.
القصة بدأت مع انتخاب الرئيس جوزيف عون وتشكيل حكومة نواف سلام، في تطور اعتبره المراقبون نقطة تحول نحو الاستقرار المؤسسي. كما يقول د. محمد العريفي، الخبير الاقتصادي: "نشهد تحولاً جذرياً مشابهاً لما حدث في الخمسينات والستينات عندما كان لبنان منارة المنطقة الاقتصادية." لكن التحدي الحقيقي يكمن في مواجهة "الأيدي العابثة" من قوى داخلية وخارجية لا تريد للبنان الخروج من فلكها المدمر.
سارة المنصوري، رجل الأعمال السعودي التي تستعد لفتح مصنع جديد في لبنان، تعكس تفاؤل القطاع الخاص: "نحن نراهن على شعب أثبت قدرته على النهوض مراراً وتكراراً." والواقع أن عودة الاستثمارات الخليجية قد تخلق آلاف فرص العمل وتعيد الحيوية لقطاعات السياحة والخدمات والتكنولوجيا. فاطمة كرم، الموظفة في أحد البنوك اللبنانية، تقول بصوت مليء بالأمل: "أشعر لأول مرة منذ سنوات أن المستقبل ممكن، أن أطفالي قد يعيشون في لبنان مزدهر." لكن النجاح مشروط بقدرة الدولة اللبنانية على الالتزام بمسار إصلاحي واضح يضمن بيئة آمنة للاستثمار.
نحن أمام نافذة زمنية حرجة قد لا تتكرر - فرصة لإعادة كتابة قصة نجاح لبنان أم عودة إلى دورة الأزمات المتكررة؟ السعودية مدت يدها مجدداً، وعلى لبنان أن يثبت أنه جدير بهذه الثقة. السؤال الذي يحبس الأنفاس: هل سينجح طائر الفينيق اللبناني هذه المرة في تحليق مستدام، أم ستكون هذه مجرد محاولة أخرى تنتهي بخيبة أمل جديدة؟