في إنجاز تعليمي مذهل يهز أركان المشهد التربوي في المملكة، نجحت منطقة جازان الحدودية في تحقيق المستحيل بحصول 82 مدرسة على جائزة التميز المدرسي على مستوى المملكة، في رقم قياسي يفوق عدد المدارس المتميزة في مناطق كاملة مجتمعة. هذا الإنجاز الاستثنائي الذي كرمه أمير المنطقة شخصياً، يضع جازان على خريطة التميز التعليمي العالمي ويطرح سؤالاً محورياً: كيف استطاعت منطقة حدودية أن تتفوق على عواصم التعليم في المملكة؟
المشهد في قاعة التكريم كان أشبه بحفل تتويج ملكي، حيث وقف المعلمون والمديرون بعيون دامعة من الفرح وهم يتسلمون شهادات التقدير من يد الأمير. المعلمة فاطمة الغامدي، التي تدرّس الرياضيات في إحدى المدارس المكرمة منذ 15 عاماً، لم تستطع إخفاء انفعالها: "لم أتخيل يوماً أن أرى مدرستنا الصغيرة في قرية نائية تنافس أعرق المدارس في الرياض وجدة وتتفوق عليها." الأرقام تتحدث عن نفسها: من بين آلاف المدارس في المملكة، حصدت جازان وحدها أكثر من ثُمن جوائز التميز، في إنجاز يضعها في مصاف المناطق التعليمية الرائدة عالمياً.
لم يأت هذا النجاح من فراغ، بل هو ثمرة خطة استراتيجية محكمة بدأت قبل سنوات ضمن رؤية المملكة 2030 وبرنامج تنمية القدرات البشرية. كما كانت جازان حارسة أمينة للحدود الجنوبية للوطن، تحولت اليوم إلى حارسة للتميز التعليمي في المملكة. الدعم الاستثنائي من القيادة، والتنافس الإيجابي بين المدارس، وبرامج التطوير المهني المكثفة للمعلمين، كلها عوامل تضافرت لتخلق هذه المعجزة التعليمية. د. محمد العسيري، خبير التطوير التعليمي، يؤكد: "ما حققته جازان ليس مصادفة، بل نموذج علمي قابل للتطبيق والنشر في جميع أنحاء المملكة."
التأثير لا يقتصر على أرقام الجوائز، بل يمتد لتغيير جذري في حياة آلاف الأسر الجازانية. أحمد، طالب في الثالث متوسط، يروي بفخر: "أصبحت أخبر أصدقائي في المدينة أنني أدرس في مدرسة متميزة على مستوى المملكة، وأرى الإعجاب في عيونهم." أولياء الأمور يشعرون بطمأنينة لم يعهدوها من قبل، فيما تتلقى إدارة التعليم بجازان يومياً عشرات الطلبات من معلمين في مناطق أخرى يرغبون في النقل للاستفادة من هذه البيئة التعليمية الاستثنائية. النتائج المتوقعة مبهرة: ارتفاع نسب القبول الجامعي، تحسن الصورة الذهنية عن المنطقة، وجذب استثمارات تعليمية جديدة.
مع هذا الإنجاز التاريخي، تقف المملكة أمام نموذج تعليمي ثوري يمكن نشره وتطبيقه في جميع المناطق. التحدي الآن هو الحفاظ على هذا المستوى المتميز وتوسيعه دون فقدان جوهر الجودة. الفرصة سانحة أمام المناطق الأخرى للاستفادة من تجربة جازان وتطبيق نفس المعايير. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل نشهد ميلاد عصر جديد من التميز التعليمي السعودي، وهل ستصبح جازان النموذج الذي سيُصدّر للعالم كقصة نجاح عربية ملهمة؟