في جريمة تفوق حدود الخيال وتهز الضمير الإنساني، تحولت منطقة الأقروض في تعز إلى مسرح لفظاعة لا توصف، حيث أقدم أب وحشي على قتل ابنته الثانية ضرباً حتى الموت، في تكرار مروع لجريمة سابقة ارتكبها ضد ابنته الكبرى التي دفنها سراً في الشعاب الجبلية. السؤال الذي يحرق القلوب الآن: كم من الأطفال يعيشون نفس الكابوس في بيوت تخفي وراء جدرانها وحوشاً بشرية؟
تفاصيل الجريمة تقشعر لها الأبدان، فهذا الأب المجرم لم يكتف بقتل ابنته الأولى قبل سنوات، بل عمد إلى دفن جثتها الصغيرة سراً في أحد الشعاب الجبلية النائية، بعيداً عن أعين الناس وحتى عن المقابر، في محاولة يائسة لطمس معالم جريمته الوحشية. "كنا نسمع أصوات الصراخ أحياناً، لكن لم نتخيل أبداً أن الأمر يصل لهذه الوحشية"، تقول أم سالم الجارة، والندم يعتصر قلبها لعدم التدخل. واليوم، عاد نفس المجرم ليكرر فظاعته مع ابنته الثانية، منهياً حياتها تحت وطأة الضرب المبرح دون أدنى رحمة.
هذه الجريمة المضاعفة تكشف عن انهيار مروع في منظومة الحماية والعدالة، فكيف لمجرم أن يفلت من عقاب جريمة قتل لسنوات، ثم يعود ليرتكب نفس الجريمة مرة أخرى؟ الصراع المستمر في اليمن وانهيار مؤسسات الدولة خلق فراغاً قاتلاً استغله المجرمون لممارسة أبشع الجرائم. العزلة الجغرافية للمنطقة الجبلية ساعدت هذا الوحش في إخفاء جرائمه، بينما غياب آليات الرقابة المجتمعية والرسمية تركت الأطفال عرضة للذبح في عقر دورهم.
المأساة لا تقف عند حدود هاتين الجريمتين، بل تمتد لتطرح أسئلة مؤرقة حول مصير آلاف الأطفال الآخرين الذين قد يعيشون نفس الكابوس في صمت. الخوف يسري في عروق الأطفال، والقلق يعتصر قلوب الأمهات اللواتي يتساءلن: هل بيوتنا آمنة؟ هل أطفالنا محميون؟ الناشطون الحقوقيون يدقون ناقوس الخطر، مطالبين بتحقيق عاجل وتفعيل فوري لقوانين حماية الطفل التي ظلت حبراً على ورق. بينما الصمت الرسمي المريب يضاعف من حجم المأساة ويفتح الباب أمام تكرارها.
اليوم، تقف تعز والمجتمع اليمني أمام مفترق طرق حاسم: إما العدالة الحقيقية وبناء منظومة حماية فعالة للأطفال، أو الاستمرار في دوامة العنف والإفلات من العقاب. هذه الجريمة يجب أن تكون آخر قطرة في بحر الدماء البريئة. على المجتمع والمنظمات الحقوقية والجهات الرسمية التحرك فوراً لوقف هذا النزيف. السؤال الذي لا يحتمل التأجيل: كم من الأطفال ينتظرون اليوم من سينقذهم من وحوش بيوتهم قبل فوات الأوان؟