في تطور صادم كشفت عنه النشرة الرسمية لأسعار الخضار والفواكه في عدن، وصلت أسعار الطماطم إلى 33 ألف ريال للسلة الواحدة، بينما يحتاج المواطن إلى 60 ألف ريال لشراء 20 كيلو من العنب الرازقي - مبلغ يفوق راتب موظف حكومي لأسبوع كامل. هذه الأرقام الفلكية التي أعلنها مكتب الزراعة والري في عدن ليوم الأحد 5 أكتوبر 2025، تكشف عن أزمة اقتصادية خانقة تخنق أنفاس المواطنين، حيث أصبح شراء سلة خضار عادية يتطلب تخطيطاً مالياً مسبقاً كما لو كان شراء سيارة.
البيانات الرسمية الصادرة عن إدارة التسويق بسوق الجملة في المنصورة تكشف عن فجوة مرعبة في الأسعار، حيث تتراوح تكلفة المنتجات من 400 ريال لحزمة الملوخية الواحدة إلى 60 ألف ريال لسلة العنب الرازقي، بفارق يصل إلى 150 ضعف. أم محمد، ربة بيت تبلغ من العمر 38 عاماً وتعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، تروي معاناتها: "أصبحت أحسب كل ريال قبل دخول السوق، وأحياناً أعود بلا شيء لأن راتب زوجي البالغ 50 ألف ريال شهرياً لا يكفي حتى لشراء كيلوين من التفاح." وسط أصوات الباعة التي تملأ أرجاء السوق وحفيف أكياس البلاستيك، تبدو وجوه المتسوقين محملة بالقلق والتوتر.
الوضع الحالي ليس وليد اليوم، بل نتيجة تراكمات اقتصادية مدمرة بدأت منذ 2014 مع اندلاع الصراع في اليمن. انهيار قيمة الريال اليمني، الذي فقد أكثر من 70% من قيمته، وارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل، حولت المنتجات الأساسية إلى كماليات لا يقدر عليها إلا ذوو الدخل المرتفع. د. عادل الزراعي، أستاذ الاقتصاد الزراعي، يحذر قائلاً: "ما نشهده اليوم هو انهيار متسارع مثل الانهيار الجليدي - يبدأ بطيئاً ثم يصبح لا يمكن إيقافه." المقارنة صادمة: كيلو التفاح الذي كان يُباع بـ200 ريال قبل الحرب، أصبح يكلف 2750 ريال اليوم - ارتفاع بنسبة تتجاوز 1300%.
التأثير المباشر لهذه الأسعار الخيالية بدأ يظهر في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، حيث اضطرت معظم الأسر لحذف الفواكه نهائياً من قوائم التسوق، والاكتفاء بالخضار الأساسية مثل البطاطس والطماطم. خالد البائع، شاب يبلغ 28 عاماً يعمل في بيع الخضار، يصف التغيير الدراماتيكي: "الناس أصبحوا يشترون بالحبة الواحدة، امرأة جاءت أمس تطلب حبة طماطم واحدة فقط." النتائج الصحية مرعبة، حيث تشير التقارير الطبية إلى تزايد حالات سوء التغذية، خاصة بين الأطفال الذين حُرموا من الفيتامينات الأساسية الموجودة في الفواكه. العنب الرازقي الذي يباع بـ3000 ريال للكيلو الواحد، أصبح حلماً بعيد المنال لمعظم الأسر التي تفضل شراء 7 حزم من الملوخية بنفس السعر.
الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً من الجهات المختصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سواء من خلال دعم الإنتاج المحلي أو إيجاد آليات لاستقرار أسعار الصرف. الحلول متاحة لكنها تحتاج إرادة سياسية حقيقية وخطط طارئة للحد من معاناة المواطنين. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: كم من الوقت يمكن للمواطن اليمني أن يصمد أمام هذا الإعصار الاقتصادي المدمر الذي يلتهم مدخراته ويحرمه من أبسط حقوقه في الغذاء الصحي؟