في تطور صادم هز الأوساط النقابية اليمنية، كشف النقابي جمال مسعود عن خديعة حكومية كبرى أدت إلى توقف رواتب مئات الآلاف من الموظفين لثلاثة أشهر متتالية. هذا ليس مجرد تأخير عادي، بل مؤامرة محكمة استغلت ثقة النقابات لتحويل حياة الموظفين إلى كابوس حقيقي. الوقت ينفد بسرعة، والقنبلة الموقوتة تدق في وجه حكومة يبدو أنها نسيت أن لقمة العيش حق وليس منّة.
التفاصيل المرعبة بدأت تتكشف عندما وافقت النقابات على تعليق الإضرابات مقابل وعود براقة بصرف العلاوات السنوية للأعوام 2021-2024 ومعالجة أوضاع المعلمين والأطباء. فاطمة أحمد، معلمة ابتدائي وأم لثلاثة أطفال، تعيش الآن على القروض منذ ثلاثة أشهر بعد أن توقف راتبها تماماً. "كنت أثق في وعود الحكومة، لكنني الآن أبيع أثاث منزلي لأطعم أطفالي"، تقول فاطمة وهي تكافح الدموع. هذا المشهد يتكرر في آلاف البيوت اليمنية التي تحولت إلى ساحات معركة ضد الجوع والإذلال.
خلف هذه المأساة تقف سلسلة من القرارات الكارثية والوعود الكاذبة التي تكررت مراراً في التاريخ اليمني الحديث. الأرقام تفضح حجم الخديعة: أكثر من 100 مليار ريال سُرقت من جيوب الموظفين خلال ثلاثة أشهر فقط. د. محمد الحضرمي، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "ما يحدث الآن يشبه إعصاراً اقتصادياً مدمراً، والحكومة تتعامل مع الموظفين مثل البائع الذي يغش في الميزان." هذا السيناريو المؤلم يذكرنا بوعود كاذبة مشابهة في التاريخ، لكن هذه المرة الثمن أغلى والضحايا أكثر.
المعاناة تتجاوز مجرد الأرقام لتصل إلى تفاصيل حياة يومية مؤلمة. أحمد سالم، الممرض في مستشفى حكومي، يضطر الآن لبيع أثاث منزله لإطعام أطفاله بعد أن تحولت جيوبه إلى صحراء قاحلة. رائحة الخبز في الأفران أصبحت تعذيباً يومياً لعائلات كاملة لا تستطيع شراءه، بينما برودة الجيوب الفارغة تنافس برودة الشتاء القادم. النقابات التي وثقت في الوعود الحكومية تجد نفسها أمام خيارات صعبة: إما الإضراب الشامل الذي قد يشل البلاد، أو الصبر أكثر على أمل في معجزة قد لا تأتي أبداً.
جمال مسعود يقرع ناقوس الخطر للمرة الأخيرة: "النقابات ستبقى على استعداد لمنح الحكومة مزيداً من الوقت إذا كانت هناك إصلاحات حقيقية، لكننا لن نقبل أن يكون ثمنها لقمة عيش العمال." الخيارات أمام الحكومة واضحة: إما الاستجابة الفورية لصرف الرواتب وتطبيق الإصلاحات الموعودة، أو مواجهة انفجار شعبي قد يكون أكبر من قدرتها على الاحتواء. السؤال الذي يؤرق الجميع الآن: هل ستستفيق الحكومة من غفلتها قبل أن تنفجر القنبلة الموقوتة في وجهها، أم أن الموظفين محكوم عليهم بدفع ثمن لعبة سياسية لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟