في كشف صادم لواقع مؤلم يعيشه ملايين المواطنين يومياً، فجر الناشط سمير وهان جدلاً واسعاً حول ظاهرة خطيرة تنخر في جسد المؤسسات الحكومية. 75% من المواطنين دفعوا "إكراميات" غير مطلوبة رسمياً للموظفين الحكوميين العام الماضي، في ممارسة تحول الخدمة العامة إلى تجارة خفية. كل يوم تأخير في معالجة هذه الظاهرة يعني ملايين الريالات تخرج من جيوب المواطنين ظلماً، فهل نحن أمام فساد مقنع أم ضرورة اجتماعية؟
كسر سمير وهان حاجز الصمت حول ديلمما أخلاقي يواجهه المواطنون عند كل زيارة لمؤسسة حكومية: دفع أموال "اختيارية" للموظفين لتسريع إنجاز المعاملات. 200% زيادة في دخل بعض الموظفين من الإكراميات مقارنة برواتبهم الأساسية، بينما تتضاعف سرعة إنجاز المعاملات ثلاث مرات عند الدفع. "هل هذا الفعل يُعتبر رشوة وحرامًا؟ وهل يعد استغلالًا لحاجة المواطنين؟" تساءل وهان، فاتحاً باب نقاش محتدم على وسائل التواصل الاجتماعي. أحمد المحامي يروي معاناته: "اضطررت لدفع 500 ريال 'إكرامية' لاستخراج ترخيص مهني خلال أسبوع بدلاً من شهرين."
هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل متجذرة منذ عقود في النظام البيروقراطي العربي، تطورت من الرشوة الصريحة إلى "الإكرامية الاختيارية" الأكثر مكراً. بطء الإجراءات الرسمية وضعف الرقابة وانخفاض الأجور الحكومية خلقت بيئة خصبة لهذا النوع من الفساد المقنع. مثل نظام الجزية في العصور الوسطى، حيث يدفع الناس لضمان حقوقهم الأساسية، تحولت الخدمة العامة إلى تجارة سرية. د. مصطفى العدالة، خبير الإدارة العامة، يحذر: "هذه ثقافة فساد مقنعة تدمر العدالة الاجتماعية وتحول المواطن من صاحب حق إلى زبون مضطر."
كل مواطن يزور مؤسسة حكومية اليوم يواجه هذا الديلمما الأخلاقي والمالي: الدفع للحصول على خدمة سريعة أم الانتظار شهوراً للحصول على حقه مجاناً. آلاف الريالات شهرياً تخرج من كل مؤسسة حكومية في شكل "إكراميات" تتراكم لتشكل ثروات في جيوب الموظفين. فاطمة، موظفة حكومية شاهدة، تكشف: "رأيت زملائي يحصلون على مبالغ يومية من المراجعين دون أن يطلبوها صراحة، فقط بالإيماء والإشارة." هذا الواقع يخلق طبقتين: مواطنون قادرون على التسريع بالمال، وآخرون محكومون بالانتظار الطويل، مما يهدد مبدأ العدالة والمساواة أمام القانون.
التساؤل الذي طرحه سمير وهان يتجاوز الحكم الديني ليصل لجوهر العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. المستقبل يتطلب شفافية أكبر ونظماً رقمية تلغي التعامل المباشر وتضمن حصول كل مواطن على حقوقه دون إذلال أو ابتزاز ناعم. على كل مواطن اليوم رفض هذه الممارسات والمطالبة بحقوقه القانونية، فالصمت شراكة في الظلم. هل سنستمر في قبول هذا الظلم المقنع، أم سنتحرك لبناء نظام إداري عادل يحترم كرامة المواطن وحقوقه؟