الخميس ، ١٤ نوفمبر ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٦ مساءً

لماذا لا نتحاور من أجل المستقبل المشترك؟

عبدالعزيز المقالح
السبت ، ١٥ نوفمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٦:١١ صباحاً
في الماضي البعيد كانت الأمم الراقية، روحياً وأخلاقياً وسلوكياً، تعرف كيف تجعل أبناءها يتحاورون بالكلمة لا بالسكين لحل خلافاتهم، وفي العصر الحديث عصر الأسلحة الفتّاكة من كل نوع ومستوى لا تزال الأمم الراقية تحل المشكلات العالقة بين مواطنيها بالمنطق والحوار، ولا مكان في قاموس هذه الأمم ولا في قواميس مواطنيها لاستخدام القوة لإنهاء الخلافات، مهما كانت أسبابها أو كان حظها من التعقيد .
لا شيء يصعب على العقل، ولا شيء لا يمكن حله بالحوار . وبما أن الاختلاف من طبيعة البشر، ولو اختفى من حياتهم لكانت الحياة مملة وباردة، وحيويتها وتجددها ينطلقان من اختلاف المختلفين، شريطة أن يكون اختلافاً محكوماً بالعقل ولا يخرج عن السيطرة المنطقية أو يصطدم بقانون التعايش والتفاهم . أما حين يخرج الخلاف أو الاختلاف عن المنطق فإنه السبيل الأقصر إلى انقراض الشعوب وتفتيت كياناتها وغياب كل صلة لها بالحياة كما ينبغي أن تكون .
لماذا لا نتحاور نحن العرب؟ ولماذا تتحول اختلافاتنا إلى خلافات؟ وكيف قادتنا هذه الخلافات التي بدأت سطحية وهامشية لا عمق لها ولا شكل، إلى خلافات حادة وقاتلة أفرزت في سنوات قليلة هذا الواقع المرعب من الحروب المستحكمة في أكثر من قطر عربي، وتحاول أن تمتد إلى البقية ليصبح الوطن العربي كله بؤرة من النار المشتعلة التي من شأنها أن تحرق الأخضر واليابس وتحوّل المدن والقرى إلى شواهد قبور؟ ثم علامَ نختلف؟ من يدلني على سبب وجيه للخلاف المؤدي إلى الاقتتال؟ ولماذا - وهنا الخطورة القصوى- يقتل بعضنا بعضاً، بل ولا نكتفي بذلك بل ندعو الآخرين ليشاركونا في هذه المذابح العلنية التي أخذت أبعاداً لم تكن في الحسبان عندما بدأت شرارتها الأولى في الانطلاق تحت مسميات لم يكن هناك خلاف على مناقشتها والوقوف أمامها لمعرفة مدى ما تتضمنه من صواب وخطأ . وكان الحوار وحده، الحوار بالكلمة وبالمنطق هو الذي باستطاعته أن يحدد مواقع الخطأ ومواقع الصواب في تلك المسميات؟
ثم ما لنا، نحن العرب، لا نستدعي من تاريخنا القديم إلاّ أسوأ النماذج وأشدها قتامة لتضعنا على طريق الحروب العبثية الخاسرة، ولا نستدعي النماذج المضيئة وهي الأغلب في هذا التاريخ، حيث كان العقل يقود الناس وكانت الحكمة تجمعهم وتدفع بهم إلى الحوار وحقن الدماء والاعتصام بالسلام كمبدأ ديني وأخلاقي لا مكان فيه للانتقاص من الحقوق . وكان ولا يزال واضحاً أن الاطراف التي اعتمدت القوة واختارت طريق الحرب في بلد من البلدان كانت هي الخاسرة، وعلى العكس من ذلك الأطراف التي حكّمت العقل واختارت طريق الحوار والتغير السلمي، وما يرافقهما من حرص على الدماء والأرواح وحماية الأقطار من التجزئة وتفكيك وشائج المواطنة وما تفرضه على أبناء البلد الواحد من ضرورة التعايش والوئام .
نحن الآن في القرن الواحد والعشرين، لسنا في عصور الغاب ولا في أزمنة الجهالة المطلقة، وفي مقدور الواعين والعقلاء أن يختاروا لمواطنيهم المنهج الذي يتناسب مع زمنهم لا مع أزمنة خلت . وهذا الزمن الذي أنتج أبشع وأخطر وسائل التقتيل والتدمير هو الذي يجعل البشرية كلها، لا العرب وحدهم، تختار الطريق السلمي محل النزاعات والتأكيد على أهمية التعايش والوئام والسلام، وقد تمكن علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع من وضع برامج للتنافس السياسي، وبرامج لبناء الاقتصاد وبرامج لحل المشكلات الاجتماعية حتى لا تبقى الأغلبية تتضور جوعاً والأقلية تتمتع بما لذّ وطاب . ولا مناص للعرب، إن أرادوا البقاء، أن يأخذوا بهذه الخلاصات الإنسانية للخروج من المتاهة الراهنة أن يتوصلوا إلى وضع حد للصراعات الدموية التي لن ينتج عنها سوى مزيد من الدمار والضحايا والثأرات والخروج من العصر .