هكذا يطمئن البعض أنفسهم بأن ما تعيشه أقطارنا العربية من هول العدوان وكوارث الخلافات لن يكون في مستقبل الأيام أكثر مما هو عليه الآن. وفي هذا التطمين مغالطة واضحة للنفس واستجرار لأحلام متواضعة قد لا تتحقق في الواقع، لتأكد أن المستقبل هو ابن اليوم ونتاج لما نصنعه ونعيشه. وخير من هذا التطمين الخادع أن نواجه حقائق الواقع بما تستحقه من اهتمام وتجاوز.
إن مشكلتنا نحن العرب، كأفراد وكقوى، ناتجة عن غياب التفكير الجاد والبحث الدائم عن حلول واقعية واستكشاف الآتي من منظور لا يخضع للرغبات والأماني المؤقتة. وقد مضى على الأمة العربية زمن طويل وهي تجتر نوعاً من الأحلام التي تم وصفها فيما سبق بالخادعة، وهي كذلك على درجة عالية من الخداع النفسي المحكوم عليه بالفشل، وبدلاً من كل ذلك يتوجب مواجهة الواقع كما هو بقدر كبير من الوضوح وتحدي المشكلات الراهنة، وهي مشكلات كما نعلم جميعاً بعضها محلي وذاتي وبعضها الآخر مستورد وقادم من الآخرين.
وما يدرينا أن القادم الذي يراه البعض أقل هولاً مما يحدث الآن قد يكون عوضاً عن ذلك أشد وأقسى، وأن مواجهته من الآن لا تكون بتجاهله أو التشكيك في مستوى ما يحمله من هول، بل تقتضي المواجهة على العمل السريع والجاد والبحث عن مخارج تقودنا إلى ما هو أفضل من خلال الاستقرار العميق والدقيق لهذا الواقع الذي هو في حقيقته أشد هولاً مما يمكن احتماله أو الصبر عليه، وما تقتضيه المواجهة المحسوبة من إدراك للأسباب والخروج من دوامة الخلافات التي صنعت الجانب الأكبر من هذا الهول، وما كان للأعداء، القريب منهم والبعيد، أن يتجرأوا في تحدياتهم وعدوانهم المستمر، لولا أن قوانا المتشرذمة قد ساعدت على ذلك، ومكنت لما هو أسوء من الهول الراهن.
لقد قيل الكثير والكثير، وتم طرح أشكال من الحلول التي لم تجد من القوى الفاعلة أي استجابة تذكر حرصاً على كرامة الوطن الكبير وسلامة أراضيه وكف أيدي العدوان على التمادي واستغلال الظرف الاستثنائي السيء الذي يمر به هذا الوطن. ولن نـملّ ولن نكلّ عن كشف كل الأسباب التي أدت إلى ما نعيشه من هول، وما نتوقعه هو أكبر حتى مع إدراكنا لعدم الاستجابة والسير المنحرف. وإذا لم يجد هذا الصوت صداه المناسب الآن، فيكفى أنه صار شهادة ثابتة على ما هو راهن، ودعوة خالصة إلى ما هو قادم.
وأعود مجدداً إلى العنوان لأستوحي منه مدخلاً للخلاص من واقع وصل هوله درجة لم تكن في الحسبان، ولعل العمل على إيقافه عند هذا الحد خطوة أولى نحو محاولة للتغيير المطلوب والخروج من ظرف هو الأصعب والأقسى. ولن يكون ذلك ممكنا إلاَّ إذا استوعبنا الأسباب التي أدت إلى هذا الهول الراهن.