لا خلاف في أن الزهد الذي أظهرته بعض المكونات السياسية في تولي الحقائب الوزارية الخاصة بها والتنازل عنها للمستقلين أو الكفاءات من مكونات أخرى هو من المؤشرات الجديدة والجديرة بالإشادة، وهو في الوقت ذاته يكشف عن دلالة التغير التي طرأت في الآونة الأخيرة للتخفيف من حدة التكالب على التوزير والسباق المحموم على تولي المناصب الرسمية وكأنها غنائم للأشخاص أو الأحزاب وليست مسؤولية يضطلع بها من لديه كفاءة واقتدار على إدارة المنصب وتحقيق الهدف المنشود من إنشائه وتكوين مؤسساته وإدارته لتخدم مجالاً من المجالات الحيوية في البلاد التي اتسعت، واتسعت معها المشكلات والاحتياجات والمتطلبات العاجلة والآجلة..
وهذا الزهد الذي أبدته بعض المكونات السياسية تجاه المناصب الوزارية يشكل بداية مثالية لحل المعضلة الدائمة في بلادنا والمتمثلة في التمسك بأذيال السلطة والاستماتة في الدفاع عنها إلى آخر نفس، وسوف تفتح باباً واسعاً ومطلوباً للتخلص من أخطر مشكلة واجهها اليمنيون في حياتهم، فقد جعلت من المنصب أياً كان مستواه غاية لكثير من الذين أوقفوا حياتهم ونذروها للوصول إلى مستوى معين من السلطة مهما كلفهم الأمر وإذا ما فقدوا هذا الأمل تحولت حياتهم إلى جحيم ومواقفهم إلى معارضة لا تلين ولا تترك منفذاً للتعبير عن خيبة الأمل وإشعار الآخرين بمظلوميتها وما تعرضت له في وطنها من إهمال وعدم اعتراف بما تتمتع به من مواهب خارقة في مقدورها أن تجعل من الصحراء حدائق ومن البحر أنهاراً عذبة.
ويبدو أن الصراع على المناصب العالية والاقتتال في سبيل الوصول إليها، قد أصبح مرضاً شائعاً، وحين نقارن من خلال قراءة ما كان يكتب عن الزهد في المناصب الرسمية في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته وخمسينياته في الدول الأوروبية وما يكتب الآن عن أساليب التسلق إليها ندرك أن شوطاً واسعاً قد قطعه الإنسان في تلك القارة المتقدمة من الزهد إلى التكالب ومن الفرار من المنصب إلى الاستماتة في الحصول عليه، وفي مذكرات بعض الكفاءات العلمية الزاهدة في المناصب الرسمية ما يجعل أي إنسان حريصاً على مواهبه وسلامة روحه من التشتت.
ومرة أخرى هل سيتحقق الحلم ويصبح الفرار من المنصب الرسمي كفرار السليم من الأجرب؟ وهل نستطيع القول بأن البداية في بلادنا قد حدثت وأن أفعال الخير تبدأ بخطوة واحدة ثم تتلوها خطوات؟ ليس لنا إلاّ أن نحلم وأن نتشبث بهذه الأحلام وأن ننتظر سباق المكونات السياسية في التخلي النهائي عن الصراع المحموم على المشاركة في الحكومة وفي بقية المؤسسات وكأنها ورثت البلاد عن آبائها ومن حقها أن تتقاسم هذا الإرث بالسوية. إن وزارة الخبرات العالية والكفاءات المدّربة قادرة على تسيير الأمور، وهي مطلب شعبي منذ مطلع فجر الجمهورية وواجب المكونات السياسية في واقع جديد كهذا مراقبة سير الأمور والإشراف على بناء الدولة المدنية العادلة بمؤسساتها القضائية المختلفة.
الأعمال الكاملة للشاعر المناضل محمد أحمد عبود باسلامة:
في مجلد أنيق وطبعة فاخرة ظهرت الأعمال الكاملة للشاعر المناضل محمد أحمد عبود باسلامة، ويضم أعماله الشعرية المنشور سابقاً منها وغير المنشور، وقد رحل الشاعر عن الحياة الفانية قبل ظهور هذه الأعمال بسنوات وقد كان في طليعة الشعراء الوطنيين الذين أسهموا في الدفاع عن الثورة بالكلمة والفعل معاً وكان رحمه الله رئيساً لفرع اتحاد الأدباء والكتّاب في مدينة إب إلى وفاته. يقع المجلد في 915 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
بَينا البلاد تغوص
في لجج المصاعب والمتاعبْ
قاداتُها يتقاتلون ويقتلون
على المناصب والحقائبْ
الشعب في وادٍ،
وواديهم مليءٌ بالعجائبْ
سقطتْ بهِ الأحلام
وانتشرتْ على جنباتهِ الأوهام
واغتنتِ الأفاعي والثعالبْ.