هما يومان خالدان في حياه هذا الوطن، خلود الحق والعدل والحرية. وكان لا بد منهما لكي يتخلص الشعب اليمني بضربة واحدة من براثن العبودية والجمود والتخلف، ومن سيطرة الاحتلال الأجنبي، وتلك حقيقة ناصعة نصاعة ضوء الشمس ولا يكاد يختلف عليها إثنان من داخل هذه البلاد أومن خارجها. ولأن هذين اليومين الخالدين قد شكلا نقطة التحول في حياة هذه البلاد وكانا الحد الفاصل بين تاريخين، فقد كان من الطبيعي أن يجدا معارضة قوية وشرسة من خارج الحدود، وأن تتجمع قوى الشر لمحاربة وليد هذين اليومين وهو الثورة اليمنية . ولا غرابة أن تكون بريطانيا أشد تلك القوى شراسة لإدراكها أهمية الثورة وما تهدف إليه من تحولات سياسية واجتماعية ، وإنها ستدق آخر المسامير في نعش الامبراطورية الغاربة وتقطع آخر صلة لها بالشرق الذي كان مزرعة بريطانية خاصة .
26 سبتمبر و14 أكتوبر يومان مجيدان في تاريخ هذا الشعب ، وفي تاريخ الجزيرة العربية منذ خرجت الجماهير اليمنية من الكهوف المعزولة ووضعت أقدامها الأولى على عتبة عصر جديد ، كما كانا إيذاناً بتحرير واستقلال الأشقاء في عمان والإمارات والبحرين وقطر ، فقد كان من المستحيل على الاحتلال أن يبقى في هذه الأجزاء بعد أن فقد وجوده في البوابة الكبرى عدن. ولكي لا ننسى ونحن نرصد هذه المكاسب التاريخية نشير إلى أن بريطانيا وغيرها من الدول المعادية للثورة اليمنية قد أعاقت مسيرة الثورة وأدخلتها في دوامة من الصراعات الداخلية والحدودية وعملت على استنـزاف القدرات المحدودة ووضعت أمام الثورة سلسلة من المشكلات لم تكن في الحسبان، كانت السبب في أن بعض مبادئ الثورة قد خضعت للتأجيل والتسويف حتى ظن البعض من الثوار أنفسهم أن المبادئ الستة لن تتحقق في حين وجد البعض الآخر في التأجيل مدعاة لديمومة الثورة واستمرارها .
والإشارة الأخيرة بالغة الأهمية لأن الثورات إذا ما ركدت وتوهم أبناؤها أنهم قد حققوا كل شيء فإنها سرعان ما تذبل وتفقد منطق التغيير والتثوير الدائم وتصبح جزءاً من تاريخ الماضي لا من تاريخ الحاضر والمستقبل, ومن حسن الحظ أن الثورة اليمنية كانت وما تزال في حالة حضور دائم لأن مهامها لم تستكمل بعد ، ولذلك فقد شهدت عبر العقود الماضية تحولات ثورية كان آخرها ثورة الشباب في 11 فبراير 2011، التي لم تكن في حقيقة الأمر سوى إحياء لروح الثورة الأم وتذكير بأهدافها التي لم تتحقق كالعدالة الاجتماعية ورفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ، فضلاً عن أن الثورة وهي المؤسِّسة للنظام الجمهوري قد شهدت تحايلا ولا أقول تجاوزاً في تطبيق مفهوم الجمهورية من خلال السماح ببقاء الحاكم الجمهوري أطول فترة ممكنة، وهو الواقع الذي خلق حالة من الركود السياسي والاسترخاء في إدارة الدولة وفتح الشهية للانقلابات والمعارضات العشوائية.
يضاف إلى ذلك ضعف الانتماء إلى الثورة ، وهو ما يذكرني بحديث لا ينسى استمعت إليه من الشاعر الفرنسي "جورج سترو" وقد كان واحداً من شعراء فرنسا الكبار الذين شاركوا في "ملتقى الشعر العربي الفرنسي" الذي انعقد في صنعاء قبل ربع قرن تقريباً ، ومما جاء في ذلك الحديث الذي لا يُنسى إشارة الشاعر الكبير إلى أنه تلميذ للثورة الفرنسية التي كان قد مضى على قيامها أكثر من قرنين، ولكنها ما تزال بأهدافها -كما قال- مرجعاً وأداة لتصحيح كل انحراف ، أين نحن من هذا الشعور الجامع والدافع للتواصل والاتساق الدائم بين الأمس واليوم؟ وهكذا هي الشعوب الحية وهكذا هم أبناؤها الذين لا يتنكرون للتضحيات ولا يخونون تاريخهم أو يعملون على زعزعة ثقة الأجيال في المعالم الرئيسية لهذا التاريخ ، وما يتسبب عن ذلك الصنيع من إحباط وشعور بالاغتراب.
الأستاذ الدكتور على الشكيل في كتاب (كيمياء الأُنس بالله):
يضم الكتاب مجموعة من المقالات العلمية المكتوبة بلغة أدبية رائعة تشد إليها القارئ وتجعله يتتبعها بشغف. وفي هذه المقالات ما هو روحي، وما هو علمي، وما هو اقتصادي واجتماعي وأدبي، والأستاذ الدكتور علي جمعان الشكيل واحد من أهم أساتذة العلوم في الوطن العربي. يقع الكتاب في 223 صفحة من القطع المتوسط.
تأملات شعرية :
كل شيء فراغٌ هنا..
وفراغٌ هناك.
ولم يبق في ليل هذا الفراغ
سوى صور الشهداء
وهم يكتبون بماء النجوم
قصائد ثورتهم
وملاحم أحلامها الناصعهْ.
كنتَ في القاع يا وطني
وارتفعتْ
وها أنتَ في القاع
تنشد أحلام ثورتك الرافعهْ.