لعل أغرب ما في الصراع الدائر بين بلادنا اليوم أنه لم يعد قابلاً لأن يخضع لأي نوع من التحليل الفكري، العرب وغير العرب يقفون في حيرة إزاء ما يحدث هنا: شعب واحد في الدين الذي يعتنقه، وفي التاريخ الذي يعود به إلى آلاف السنين، في لغته، وفي انتمائه القومي. لا أعراق، ولا ديانات أخرى، ولا أقليات. شعب صافٍ من كل ما يعكّر صفو كثير من شعوب العالم، ومع ذلك استطاعت الأنانية الرعناء والرغبة في الاستئثار بالسلطة أن تقدمه في صورة هي الأسوأ بين الشعوب، وكأنه خليط بشري متنافر لا يجمع أبناءه جامع من دين أو تاريخ أو انتماء. كل إنسان طامحٌ في هذا البلد، ويريد في المعترك الداخلي الراهن، أن يثبت وجوده، وذلك من حقه، ولكن في إطار القانون والدستور والثوابت التي تحفظ للوطن كيانه وللمواطنين حقوقهم ومصالحهم. الانحراف بالأوطان وإدخالها في أتون الفوضى يبدأ من محاولة الاستئثار والإقصاء للآخرين. ومن هنا برزت المعضلة اليمانية وكاد الوطن ذو الدين الواحد والتاريخ الواحد واللغة الواحدة أن يتحول إلى أوطان ذات أديان وتواريخ وانتماءات!!
ولا مناص من الاعتراف بأن الإفراط في الأنانية وحب الذات والرغبة في الاستئثار هي معضلة المعضلات في هذا الوطن قديماً وحديثاً، وبسبب هذه المعضلة التاريخية والمستحدثة تمزق اليمن عبر العصور وفقد وحدته وتعددت دويلاته ومشيخاته وسادته الفوضى والانقسامات أكثر من مرة، وعندما كان الضمير الجمعي لأبنائه يستيقظ ويخرج من غيبوبته كان يقود إلى نفسه ويشعر بكرامته، ومن حسن حظه، وحظ الطيبين من أبنائه أن اسمه لم يتغير على مدى التغيرات والانشقاقات. كان "اليمن" هو اسمه الذي لم يعرف العالم غيره ولا عرفت الأقطار الشقيقة شيئاً عن أسماء الدويلات والمسميات الممسوخة التي تعاورت على حكم أجزاء منه ، وإنما عرفته واحداً وبمسمى واحد أيضاً هو اليمن. والتاريخ، وهو لسان حال جميع العصور، ما عرف اليمن إلا واحداً، وكذلك اليمنيون أنفسهم المقيمون والمهاجرون لم يكونوا يُعرّفون أنفسهم إلا أنهم يمنيون، وهذا هو الأساس المتين الذي حافظ على كيان اليمن وعلى وحدة اليمنيين رغم كل الانشطارات والتشظيات المتكررة.
والآن، وفي هذه اللحظات المؤلمة والموجعة من تاريخ هذا الوطن العظيم ألا يوجد من بين ملايين المتعلمين والحاصلين على المؤهلات العالية والمتوسطة من مدنيين وعسكريين من يشعرهم بعواقب المخاطر ويجعلهم قادرين على استخدام عقولهم، لا عواطفهم، في مواجهة التحديات وإيجاد حالة حقيقة من التقارب بين المكونات السياسية الوطنية، والبدء في بناء الدولة اليمنية الحديثة على أسس من الاعتراف بحق الجميع في الشراكة والتصدي لكل محاولات الإقصاء والاستئثار والالتزام بكل ما يلتزم به مواطنو الدول الحديثة من احترام للقانون والخضوع لمبادئ الحق والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات؟ ألا يوجد في هذا الكم الهائل من الأحزاب، وهذا الكم الهائل من المثقفين، وأنصار الحرية والديمقراطية، من يرفع صوته عالياً ويقول: كفى انقساماً وتشققاً. وإذا لم يسمع الوطن هذا الصوت الجماعي، صوت الآلاف من الرافضين لكل ما يحدث، فعلى الدنيا السلام، ولا عزاء ليمن يتفرق أبناؤه ويعيدون إلى الأذهان حكاية أيادي سبأ.
إن الكلام سهل ميسور، وإبراء الذمة من دم الوطن الذبيح بسيوف الاختلافات سهل وميسور أيضاً، ولكن أين الفرار من عذاب الضمير ومن ثقل المسؤولية التي يتحمل المثقفون والسياسيون الجزء الأكبر منها؟ فقد أسهموا بشكل أو بآخر بتأجيج الصراعات والنكوص غير المسؤول والتصدي لكل المحاولات الهادفة لتقريب وجهات النظر، إضافة إلى توريط الأحزاب في اتخاذ المواقف الجدية دون أن يكون لديها من القوة والقدرات ما تدرأ عن البلاد نتائج ما وصلت إليه من فوضى وتباعد بين المكونات الوطنية ومعطياتها التي تجلت كأفضل ما يكون التجلي في ثورة الشباب بكل ما لامسته من قضايا وما اقترحته من حلول وتصورات لمجتمع جديد في يمن جديد. يقول العامة في أحاديثهم إن العقل قد يأخذ إجازة من صاحبه ويتركه يفعل ما يشاء، لكن يبدو أن الإجازة التي أخذتها عقول اليمنيين قد طالت وأن متابعتهم لمشاهد الصراع اليومي دون موقف فعّال يجعلهم شركاء في تحمل نتائج ما حدث وسيحدث.
سمية طه ياسين في "امرأة ظل الياسمين":
شاعرة وكاتبة وناقدة ينتظرها مستقبل واعد ، هذه هي المبدعة سمية طه ياسين صاحبة هذا العمل المتميز بلغته وتداعياته الشعرية. كتب المقدمة الأستاذ الأكاديمي المعروف الدكتور رياض القرشي الذي أشاد بالعمل وتمنى لصاحبته أن تواصل مسيرتها الإبداعية بنجاح. يقع الكتاب في 123 صفحة من القطع الصغير.
تأملات شعرية:
أنت في قلقٍ
وأنا...
وهو في قلقٍ
والشوارع وهي تَغَصّ بجمهورها
عجَزت أن تواري ارتعاش القلقْ.
لا تنام البيوت
ولا يعرف الشجرُ النوم
حتى متى يستبدّ بها الخوف
-صنعاء-
حتى متى يرتديها الأرقْ؟!