لم يمر سوى عام حتى تكرر المشهد للمرة الثانية، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2014، تداول ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطفل من مسلحي الحوثي يخضع للتطعيم ضد الحصبة وشلل الأطفال، حينها طالبوا جهات الاختصاص بالتدخل فوراً لإيقاف زج الحوثيين بالأطفال في جحيم المعارك.
مرة أخرى ولكن في عام 2016 ومع انطلاق حملة شاملة للتحصين ضد الحصبة وشلل الأطفال، تداولت وسائل إعلام محلية بشكل واسع صورة لطفلين مسلحين يتبعان مليشيا الحوثي وهما يتلقيان جرعة اللقاح.
وتظهر الصور الطفلين يحملان الأسلحة وطبيباً يقوم بتلقيحهم، ضمن الحملة الوطنية للتلقيح، لتكون تأكيداً جديداً يثبت تجنيد الحوثيين للأطفال، بعد إقناعهم بأن ذلك "جهاد"، كما يستغلون الحالة الاقتصادية المتدهورة لبعض الأسر التي تدفع بأطفالها للتجنيد بغية توفير لقمة العيش.
- أطفال المتارس
الصحفي زيد السلامي قال في تغريدة: له "التحصين الحقيقي لهذا الطفل –في إشارة للمسلح الحوثي– سحب السلاح منه وأخذه إلى مراكز التأهيل النفسي ثم المدرسة".
فيما سخر وضاح الشليلي على الصورة وهو يتحدث عن سماح الحوثيين بموت الأطفال بشتى أنواع الأسلحة فيما يحرصون على تطعيمهم لقاحاً ضد الحصبة.
وبدلاً من المدارس ذهب الأطفال بفعل سياسة الحوثيين إلى المتارس، وهو ما يهدد العملية التعليمية في اليمن، حيث يفقد هؤلاء الأطفال حقهم في التعليم ما يجعلهم عرضة للاستغلال من مختلف الجماعات غير النظامية، ويبقى التهديد الأكبر هو زيادة نسب الأمية في البلاد ما يصعب من توجه الجهات الرسمية نحو القضاء عليها، حيث كشفت الوثائق قيام الحوثيين بتجنيد 30 ألفاً من عناصرهم بوزارة الداخلية بخلاف الآلاف بوزارة الدفاع التي يسيطرون عليها.
أحمد القرشي، رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة والمهتمة بحقوق الطفل في اليمن، أكد أن "تجنيد وإشراك الأطفال في الصراعات المسلحة جريمة"، داعياً إلى "التضامن المطلق دون تمييز مع كل طفل يمني يتعرض للقصف والموت والحرمان والحصار".
على النقيض تماماً، فمع انتشار صور تطعيم أطفال مسلحين يتبعون مليشيا الحوثي، يعيش أطفال تعز ظروفاً مأساوية حرمتهم حقهم في الحياة، وفقد الكثير منهم العائل الوحيد للأسرة، فيما شرد كثيرون وابتعدوا عن مدارسهم، وسجلت مستشفيات تعز وفيات من الأطفال لم يحصلوا على الأوكسجين، فيما يتضور آخرون جوعاً ويعجز غيرهم عن الحصول على الدواء.
مجاهد السلالي انتقد التناقض الذي دفعته له صورة الأطفال المسلحين وهم يتلقون لقاحاً ضد الحصبة، إذ قال: إن "الحوثيين يلقحون أطفالهم فيما يرفضون نقل الصحفي المختطف في سجون الظلم، أكرم الوليدي، إلى المستشفى لتدهور حالته الصحية والنفسية".
- مآسٍ صحية وحملة تطعيم
مع انطلاق حملة التطعيم في اليمن، التي تهدف إلى ضمان عدم عودة الأمراض القاتلة للطفولة، يعاني أطفال اليمن كثيراً من المآسي الصحية بفعل جرائم مليشيا الحوثي، ففي تعز أكدت اللجنة الطبية العليا توقف 37 مستشفى ومنشأة صحية عن العمل بسبب الحرب والحصار الذي يفرضه الحوثيون وصالح على مدينة تعز، وأوضحت أن مدينة تعز تواجه كارثة إنسانية مع تزايد تدهور الأوضاع الصحية ومنع دخول أسطوانات الأكسجين والأدوية والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى عجزها عن إجراء قرابة ألف عملية جراحية.
كما أكدت "أن 148 طفلاً قتلوا بسبب القصف العشوائي على الأحياء السكنية بالإضافة إلى مئات المصابين"، وهو ما اعتبره حقوقيون انتهاكاً للقانون الدولي وحرباً ضد الطفولة في اليمن يقودها الحوثيون وحليفهم صالح، إما بتجنيد من يوافقهم أو بقتل من يعارضهم.
- أرقام صادمة
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي أعلنت اليونيسيف أن أكثر من نصف مليون طفل تقل أعمارهم عن خمس سنوات يعانون "من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم" بسبب صعوبات في تموين البلاد وإرسال المساعدات الإنسانية.
فيما أكدت في بيان نشر في 12 يناير/ كانون الثاني أن إحصاءات مؤكدة صادرة عن الأمم المتحدة تشير إلى أن 747 طفلاً لقوا حتفهم، فيما أصيب 1108 منذ مارس/ آذار من العام الماضي، في حين أن 724 طفلاً أجبروا على الانخراط بشكل أو بآخر في أعمال مسلحة، وهذا جزء من المأساة وهو أمر صادم بما فيه الكفاية.
وأشار بيان اليونيسيف إلى أن آثار العنف ضد المدنيين الأبرياء تصل إلى أبعد من ذلك بكثير، فالأطفال يشكلون ما لا يقل عن نصف النازحين الذين يبلغ تعدادهم 2.3 مليون شخص، والنصف أيضاً من 19 مليون شخص يكافحون يومياً للحصول على حصصهم من المياه، كما يتهدد خطر سوء التغذية الحاد والتهابات الجهاز التنفسي نحو 1.3 مليون طفل دون سن الخامسة، وهناك 2 مليون طفل على الأقل باتوا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة.
حقائق الوضع المأساوي للطفولة في اليمن يعلق عليها مهتمون في مجال رعاية الأطفال بضرورة أن تكثف المنظمات الحقوقية الدولية جهودها في مراقبة وضع الطفولة بما يكفل تمتع كل الأطفال بحياة مستقرة لا تتجاذبها صراعات الجماعات المسلحة.