تلعب الإمارات العربية المتحدة دورًا هو الأول من نوعه في تاريخ سياساتها الخارجية، إذ لم يسبق لها المشاركة بهذا الشكل وتلك الكيفية بجنودها خارج أراضيها، ومواجهة أعداء بل وحكومات وجيوش مدربة وقادرة على تكبيدها خسائر فادحة في الأرواح، مما يؤكد أن الدوافع التي جعلت الإمارات ترتكب تلك المجازفة وتصر عليها أكبر من تلك التي يتم إعلانها في وسائل الإعلام، خاصة وأن الشعب الإماراتي لم يألف تلك المساعي ولا التحركات الإقليمية من قبل حكومات بلاده السابقة، إذ تكشف هذه الدوافع عن عظم التدخل الإماراتي في الأزمة اليمنية والتي كانت الإمارات أحد أهم أسباب تعقدها ووصولها لهذه الدرجة، والتي تنذر باحتمالات استمرارها لفترة غير قصيرة، في ظل محاولات بعض الأطراف إعطائها بعدًا إقليميًا ودوليًا في إطار الصراع على المصالح والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، والذي بات يتضح جليًا من خلال تطورات الأزمة السورية، مما قد يكبد الإمارات المزيد من الخسائر سواء في العتاد أو في أرواح جنودها المشاركين في التحالف، والذين يتحملون الجزء الأكبر من ضربات الحوثيين وعلي عبدالله صالح، نظرًا لسيطرتهم على المناطق المحررة خاصة في عدن، ومحاولاتهم إدارة دفة تلك المناطق خوفًا من سيطرة حزب الإصلاح عليها وضياع فرصة إعادة ترتيب الأوضاع اليمنية بما يحقق مصالح الإمارات وشركائها في المنطقة، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل الدور الإماراتي وحدود إمكانياته في ظل تزايد الضربات الموجهة لقواته، وفي ظل ضعف قدرة التحالف على حسم العركة في اليمن خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن هناك ضغوطًا شعبية متزايدة على الحكومة الإماراتية لسحب قواتها من اليمن خوفًا من وقوع المزيد من الخسائر.
سياسة الإمارات الخارجية وطموح قيادة المنطقة
تشهد السياسة الخارجية الإماراتية تحولًا استراتيجيًا نحو لعب دور مباشر وأكثر فعالية في المنطقة، وذلك على خلاف الفترات السابقة التي كانت تكتفي فيها الإمارات بالسير في ركب المملكة العربية السعودية، والاكتفاء بتطوير أدائها الاقتصادي، باعتبار أن ذلك هو السبيل لتطوير ورقي مجتمعها، إلا أن تلك السياسة قد شهدت بعض التحول عقب ثورات الربيع العربي، إذ عمدت الإمارات إلى لعب دور غير مباشر من خلال دعم الأنظمة القديمة وتوفير الأجواء الملائمة لعودتها بالتعاون مع بعض القوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق جزء من أهدافها، إلا أن تلك السياسة قد ثبت فشلها في بعض الدول، إذ لم تأت بأنظمة حليفة للإمارات وإنما بأنظمة حليفة لأعدائها، مثلما هو الحال في اليمن، الذي أدت السياسات الإماراتية والسعودية تجاهه لإتاحة الفرصة لجماعة الحوثي الموالية لإيران للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.
وإزاء تلك التطورات الدراماتيكية لم يكن بوسع الإمارات الاستمرار في سياسة العمل من وراء الكواليس أو خلف الستار مثلما كانت تفعل في السابق، بل تحتم عليها أن تلعب في العلن، وأن تصبح جزءًا أساسيًا من التحالف الذي دشنته السعودية لكسر شوكة جماعة الحوثي في اليمن، ولم تكتف الإمارات بذلك، بل عمدت مثلما هو واضح لأن تكون اللاعب الأول في الساحة اليمنية، وهو ما اتضح بشكل جلي بعد تحرير عدن من جماعة الحوثي، إذ تبين أن الإمارات هي من تدير كل شيء في اليمن، سواء كان ذلك برغبة من السعودية أو بدون رغبة منها، فالدور الإماراتي في اليمن تعاظم للدرجة التي لم يعد بإمكان الإمارات التراجع فيها، لذلك من المستبعد أن تنجح الضغوط الشعبية على الحكومة لسحب قواتها من الإمارات لتقليل الخسائر التي تتعرض لها هناك، خاصة وأن هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الإمارات لخوض معارك مباشرة مع عدو خارجي بقوة وحجم جماعة الحوثي، ويعود ذلك إلى العديد من الأسباب أهمها:
أولاً: المحاولات الإماراتية لتولي دور القيادة في المنطقة، خاصة بعد أن نجحت في تحويل مسار الربيع العربي بما يتوافق مع رؤاها ورؤى شركائها في المنطقة وخارجها، وخوفها من ضياع هذا الدور وعودة قوى الإسلام السياسي لتولي زمام الأمور مرة أخرى، في ظل تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي لاتزال تعاني منها دول الربيع العربي.
ثانيًا: الاستفادة من ضعف الدور السعودي في المنطقة والخوف من اعتماده على حزب الإصلاح اليمني في القضاء على جماعة الحوثي وأخذ مكانها في قيادة الشعب اليمني، وهو ما تكبدت في سبيل عدم حدوثه الإمارات خسائر فادحة في الأموال والأرواح.
ثالثًا: العمل على إنشاء حكومات سواء في اليمن أو في غيره من دول الربيع العربي موالية للإمارات ولحلفائها، حتى يتم قطع الطريق على أي محاولات لتكرار سيناريو الربيع العربي مرة أخرى، بما يضر بالإمارات ودورها ومكانتها الجديدة في المنطقة.
رابعاً: الخوف من حدوث انتكاسة في اليمن، تسمح بعودة الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح للسيطرة على مجمل الأوضاع في البلاد مرة أخرى، خاصة وأن هناك دعمًا إيرانيًا كبيرًا لجماعة الحوثي، وحرص على عدم إسقاطها بالرغم من حدة الضربات التي يوجهها إليها التحالف، الأمر الذي يمثل إساءة كبيرة وقضاء مبكرًا على الدور الإماراتي الريادي في المنطقة.
خامسًا: الاستفادة من عمليات إعادة الهيكلة التي تقودها الولايات المتحدة لدول المنطقة، ومحاولة الإمارات لعب دور في مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الخليج.
ويعني ذلك أن الإمارات تتعامل مع التطورات التي يشهدها الملف اليمني ليس كدولة مشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية لدحر جماعة الحوثي، وإنما كقائدة ومدبرة ومسيرة لشؤون التحالف، لذلك فهي حريصة على التواجد القوي على الأرض، بحيث تصبح لها بعد انتهاء عاصفة إعادة الامل الكلمة العليا في الشأن اليمني، إذ تعمل الآن على إعادة ترتيب الأوضاع في المناطق المحررة وفقًا لمصالحها، وبما يصب في النهاية في صالح دورها الريادي في المنطقة.
تسويق الأحداث لخدمة المصالح
بالرغم من التأثير السلبي لعمليات مقتل الجنود الإماراتيين في اليمن على صورة الحكومة، والضغوط الشعبية الكبيرة التي تتعرض لها لسحب قواتها من اليمن، باعتبار أن الشعب الإماراتي لم يألف تلك التحركات ولا هذه السياسات الجديدة التي تنتهجها حكومتهم تجاه المنطقة، إلا أن النظام الإماراتي يحاول تسويق تلك الأحداث بما يخدم على مشروعه الريادي في المنطقة، معتبرًا أن ما يحدث في اليمن والدور الكبير الذي تضطلع به الإمارات هناك، يمثل بداية لإمارات جديدة تلعب دورًا رياديًا في تشكيل مستقبل المنطقة عمومًا وفي القلب منها منطقة الخليج العربي، إذ صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات الدكتور أنور قرقاش، بأن دولة الإمارات التي تعمل ضمن التحالف العربي لإعادة الأمن في اليمن تولد من جديد.
فالواضح أن الإمارات باتت تتبنى خطابًا جديدًا يمتلئ بعبارات القوة والريادة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، فحسب قرقاش استشهاد أبناء الإمارات في اليمن يزيد الدولة قوة وعزمًا والتزامًا، مشيرًا إلى أن الأسد الإماراتي سيكشر عن أنيابه ليرفع راية العز عاليًا، وذلك في إشارة إلى الدور الجديد الذي يضطلع به الجيش الإماراتي في الخارج.
وتعلن القيادات الإماراتية صراحة في خطاباتها المختلفة أن دورهم في اليمن إنما يأتي في إطار الحفاظ على أهدافهم الاستراتيجية في المنطقة، والخاصة باستعادة الأمن وتحقيق الاستقرار، ولذلك فإنه مهما كانت التضحيات فإن ذلك لن يثنيهم عن استكمال المهمة التي تعتبر بمثابة مولد جديد لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي هذا الصدد سبق وأن صرح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، بأن تطهير اليمن من الميليشيات الانقلابية والعدوانية التي عاثت فسادًا وتخريبًا هدف لن تحيد عنه الإمارات.
واعتبر أن الوطن يعيش روحًا جديدة بتضحيات شهدائه، الأمر الذي يؤكد أن الإمارات بصدد تغيير استراتيجي في سياساتها الخارجية ناحية لعب دور أكثر فعالية في الأزمات الدائرة، بالشكل الذي يعظم من مكانتها ووجودها في المنطقة، وذلك بالرغم من مخاطر هذا الدور وتبعاته التي قد تؤثر على مستقبل النظام السياسي في الإمارات.
محددات الدور الإماراتي
يحكم الدور الإماراتي في اليمن مجموعة من المحددات الخاصة بدوافع العمل واستمراره، فكما هو واضح من الإصرار الإماراتي على الاستمرار في اليمن بالرغم من الخسائر التي تمنى بها قواتها هناك، والضغط الشعبي المتزايد على النظام خوفًا من سقوط المزيد من القتلى في صفوف أبنائه، ويتمثل المحدد الأول في المحدد الاقتصادي، فالوجود الإماراتي في اليمن يمثل فائدة كبيرة للاقتصاد الإماراتي على المدى البعيد، لأنه سيتيح لها التحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهذا من شأنه أن يعطي لها مساحة كبيرة من النفوذ على أهم الممرات المائية في العالم، وبذلك تكون الدولة الأولى في العالم من حيث القدرة على تقديم الخدمات اللوجستية للسفن العابرة من وإلى الخليج العربي، بل يمكن القول إن الشركات الإماراتية قد نجحت في السيطرة على مجمل التجارة المارة في البحر الأحمر، بداية من القاهرة التي تسيطر حاليًا على إدارة جزء كبير من موانئها، بسبب علاقاتها القوية مع النظام الحاكم، الأمر نفسه بالنسبة لليمن، وإذا ما أضيف ذلك للدور الذي تقوم به جبال علي الإماراتية في خدمة السفن العابرة في المحيط الهندي، يصبح للإمارات فائدة اقتصادية لا تعادلها فائدة أخرى لأي دولة مشاركة في تحالف إعادة الأمل الذي تقوده السعودية في اليمن.
اما المحدد الثاني فيتمثل في المحدد السياسي، فكما هو معروف تلعب الإمارات اليوم دورًا رائدًا في دول الربيع العربي، بعد أن نجحت جهودها في إخماد ربيع تلك الثورات وإعادة الأنظمة القديمة إلى عروشها مرة أخرى، وبالرغم من خروج الأمور عن السيطرة في اليمن، إلا أنها تبذل مع المملكة العربية السعودية جهودًا مضنية للقضاء على جماعة الحوثي وقوات علي عبدالله صالح، ومحاولة استبدالها بقوى جديدة تدين لها بالولاء، حتى تضمن اتباع سياسات يمنية تصب في صالح السياسات الإماراتية العليا، والتي تتمثل في القضاء على قوى الإسلام السياسي، والدوران في الفلك الإماراتي الموالي للغرب، فالإمارات تحاول الآن أن تحل محل المملكة العربية السعودية في قيادة الخليج العربي، معتبرة أن ما بذلته من جهود وما أنفقته من أموال وما بذلته من أرواح يعطيها حق ريادة وقيادة المنطقة، وهو ما تحاول أن تؤكده من خلال دورها الراهن في اليمن.
أما المحدد الثالث والأخير فيتمثل في المحدد الأمني، فالخطر الحوثي في اليمن لا يضر بأمن واستقرار السعودية وحسب، بل ويضر كذلك بالأمن والاستقرار في الخليج بأكمله وفي القلب منه الإمارات العربية المتحدة، لأنه يمثل استكمالًا لمشروع الهلال الشيعي الذي يستهدف السيطرة على مقاليد ومقدرات المنطقة، وهو أمر يمثل خطورة كبيرة على المنطقة، وقد ينقل إليها التوترات التي شاهدناها في العراق وسوريا، فنجاح الحوثيين في اليمن، قد يغري الجماعات الشيعية في بقية الدول الخليجية لحذو حذوها وتكرار نموذجها اعتمادًا على الدعم الإيراني الكبير، وهو ما قد يضر بمستقبل الأنظمة السياسية الحاكمة في الخليج وعلى رأسها النظام الإماراتي، لذلك لابد من وضع حد للتغول الإيراني في المنطقة، والحيلولة بين جماعة الحوثي وبين الانفراد بمقاليد الأمور في اليمن.
اتهامات متعددة.. ومحاولات إخراج الإمارات من المعادلة
يبدو أن ايران وحلفاءها في المنطقة نجحوا في قراءة المشهد بشكل جيد، فهم يعلمون أن الإمارات والمملكة ليسوا على وفاق، وهم على يقين من أن أي كلفة بشرية لا يمكن للإمارات أن تتحملها، لأنها ليست دولة صاحبة مشروع، وإنما دولة تبحث فقط عن الريادة وهي لا تملك مقوماتها، ولذلك فهم يبذلون قصارى جهدهم لإخراجها من المشهد من خلال تركيز الضربات ضد جنودها، وبحيث تبقى المملكة بمفردها في مواجهة جماعة الحوثي وقوات علي عبدالله صالح، المدعومين خارجيًا، وبذلك تسهل عليهم عملية المواجهة ويستطيعون اطالة أمد الصراع والخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب.
وقد بدأت تلك المواجهة مبكرًا، فقد حاولت إيران وجماعة الحوثي إثارة الجدل حول حقيقة الدور الإماراتي ضمن التحالف العشري، ولا سيما في ظل اتهامات سابقة كانت توجه للإمارات بأنها سعت خلال فترة ما بعد الثورة الشبابية إلى التحالف مع الرئيس المخلوع، بل إقامة تحالف بينها وبين صالح ونجله أحمد، وأيضاً مع الحوثيين لإسقاط ما كانوا يسمونه "حكم الإخوان في اليمن"، وأن هذا التحالف استمر حتى سقوط صنعاء.
ويذهب البعض في اتهاماته إلى أن ما كانت تسعى إليه الإمارات، هو خلق صراع بين الحوثيين وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن). لكن فشل الأمر بعد أن طلب الحزب من عناصره الانسحاب من أي مواجهة مع ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح في صنعاء، قائلاً إنه ليس دولة حتى يقاتل ميليشيات الحوثيين والمخلوع لوقف إسقاط الدولة.
وقد حاول الحوثيون والرئيس المخلوع استغلال الدور الإماراتي في بثّ الشائعات السياسية عن هذا الدور والتشكيك فيه، بل وصل الأمر إلى القول إن الإمارات تعمل ضد التحالف العشري. وبات أنصار الحوثيين والمخلوع يرددون أن الإمارات تعمل مع نجل المخلوع، ويحاولون إيصال مثل هكذا الكلام للشارع ضمن إعلامهم الحربي. كما يعملون على الترويج في أحاديثهم لجماهيرهم، التي باتت بعيدة عن وسائل الإعلام بسبب انقطاع الكهرباء، أن هناك صفقة بين الطرفين، لقيام الإمارات بذلك بما فيها تحرير عدن. ووصل الأمر إلى حد القول إن الأخطاء التي ترتكبها طائرات التحالف، تقف خلفها الإمارات، ولا سيما في استهداف المدنيين أو "المقاومة".
أهداف الدور الإماراتي في اليمن
يربط الخبراء الدور الإماراتي بالمصالح والمطامع في اليمن، لأن عينها على ميناء عدن، الذي كانت تتولى شركة "موانئ دبي" تشغيله قبل أن تتخلى عن الأمر بالتوافق مع الحكومة نتيجة الخلافات.
وقد تفردت الإمارات في الفترة الأخيرة ببعض الأدوار داخل الأزمة اليمنية برمتها، مما دعا البعض للحديث حول انتقال لإدارة الأزمة من الرياض إلى أبوظبي، فقد بدأت تظهر بوادر هيمنة ميدانية عسكرية إمارتية، وقد ظهر ذلك بصورة واضحة عقب تحرير مدينة عدن الجنوبية.
حيث تردد أن دولة الإمارات تسلمت المسؤولية كاملة عن مدينة عدن بعد التحرير، المدينة التي تعتبر الآن معقل الحكومة الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على غالبية المدن الشمالية، إذ تقود الإمارات القوات المشاركة في تأمين عدن بعد تحريرها، ومن جانب آخر بدأت الإمارات في بسط نفوذها داخل المسار السياسي للأزمة اليمنية بعد أن تحولت إلى نقطة التقاء لأطراف الأزمة، ومن خلال التنسيق المباشر مع الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور هادي، ونائبه خالد بحاح والمبعوث الأممي للأزمة اليمنية، وكذلك وزير الخارجية السعودي وقيادات تابعة للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح.
وفي هذا الصدد تسعى الإمارات لامتلاك زمام المبادرة داخل اليمن، وبالتحديد تسعى للمشاركة في اتخاذ أي قرار مصيري متعلق بحل الأزمة، بحيث لا تنفرد الرياض بذلك الأمر وحدها، الإمارات لا تريد حلًا للأزمة يُعارض خط سياستها الخارجية العام، خاصة مع ارتفاع تكلفة مشاركتها في الحرب، فلم تبعد عين الإمارات كثيرًا في اليمن عن هدفها العام في القضاء على تيارات الإسلام السياسي، فهي تحاول أثناء الحرب تحويل بوصلتها تجاه عداء حزب التجمع اليمني للإصلاح، باعتباره الفرع اليمني لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
ويظهر ذلك في محاولة إبعاد كافة قيادات الإصلاح عن قيادة المقاومة الشعبية، بالإضافة لرفض أي خيار سياسي أو عسكري يعزز دور الإسلاميين في السلطة أو على الأرض، فالإماراتيون مسؤولون حاليًا عن الوضع الميداني في عدن، وخاصة في الجانب العسكري الذي يقودون عملياته من خلال سفينة عسكرية خاصة تابعة لهم ترسو حاليًا في خليج عدن، وهي مركز انطلاق لقوة عسكرية تتكون من أكثر من ستين مقاتلًا إماراتيًا يشرفون على تدريب وتمويل ثلاثة معسكرات يمنية تابعة لما تسمي بالمقاومة الشعبية المناهضة للحوثيين وصالح، وهي محاولات بلا شك لكسر سيطرة الإسلاميين المدعومين من السعودية في الجنوب على المقاومة.
وتسعى دولة الإمارات كذلك إلى توسيع خارطة نفوذها في اليمن، بعدما باتت واحدة من أهم القوى المؤثرة في الساحة السياسية العربية والإقليمية، بفضل حضورها القوي الذي لعبته في العمليات العسكرية، التي يشنها التحالف العربي ضد الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن الدور المتصاعد لـ"أبو ظبي" في الأزمة اليمنية يُجسّد ارتفاع سقف طموحاتها، "لدرجة أن لعابها قد يسيّل لتقاسم النفوذ مع السعودية التي تعد جارتها الجنوبية" عمقًا استراتيجيًا، لا يشاركها فيه أحد، منذ تأسيس مملكة آل سعود.
فالإمارات حسب العديد من الخبراء تطمح إلى أن تعزز وجودها في اليمن، إلا أن هذا الوجود سيتوقف على ما يتم جنيه من الساحة اليمنية ونتائج المعركة فيها، فتكلفة الصراع هذا باتت عالية جداً على الدولة، فالإمارات أنفقت مليارات الدولارات خلال مشاركتها في المعارك في اليمن، و أرسلت العديد من الجنود إلى هناك، وخسرت ما يقارب 54 جندياً إماراتياً ناهيك عن عدد آخر من الجرحى. وهو عدد يعد كبيرًا في بلد لا يتجاوز عدد مواطنيه 1.5 مليون مواطن.
إلا أنه في العموم ومن خلال المواقف والتصريحات الإماراتية يبدو أن الإمارات لن تتخلى عن اليمن بسهولة، بعد أن تحول اليمن بالنسبة لها لمفتاح استراتيجي لمستقبل دورها المتعاظم في منطقة الخليج، بل وفي منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولًا جذريًا في هياكلها السياسية وبنيتها الاستراتيجية، لذلك يتوقع أن يستمر الدور الإماراتي في اليمن بالرغم من الخسائر التي تمنى بها قواتها، بل وقد يتعزز الوجود الإماراتي في حال حدوث تقدم على صعيد تحرير العاصمة، بسبب تراجع الدور السعودي، وزيادة التحديات التي تعترض طريقه داخليًا وخارجيًا في هذا الوقت الحساس من تاريخ المملكة.
سياسة الإمارات الخارجية وطموح قيادة المنطقة
تشهد السياسة الخارجية الإماراتية تحولًا استراتيجيًا نحو لعب دور مباشر وأكثر فعالية في المنطقة، وذلك على خلاف الفترات السابقة التي كانت تكتفي فيها الإمارات بالسير في ركب المملكة العربية السعودية، والاكتفاء بتطوير أدائها الاقتصادي، باعتبار أن ذلك هو السبيل لتطوير ورقي مجتمعها، إلا أن تلك السياسة قد شهدت بعض التحول عقب ثورات الربيع العربي، إذ عمدت الإمارات إلى لعب دور غير مباشر من خلال دعم الأنظمة القديمة وتوفير الأجواء الملائمة لعودتها بالتعاون مع بعض القوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق جزء من أهدافها، إلا أن تلك السياسة قد ثبت فشلها في بعض الدول، إذ لم تأت بأنظمة حليفة للإمارات وإنما بأنظمة حليفة لأعدائها، مثلما هو الحال في اليمن، الذي أدت السياسات الإماراتية والسعودية تجاهه لإتاحة الفرصة لجماعة الحوثي الموالية لإيران للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.
وإزاء تلك التطورات الدراماتيكية لم يكن بوسع الإمارات الاستمرار في سياسة العمل من وراء الكواليس أو خلف الستار مثلما كانت تفعل في السابق، بل تحتم عليها أن تلعب في العلن، وأن تصبح جزءًا أساسيًا من التحالف الذي دشنته السعودية لكسر شوكة جماعة الحوثي في اليمن، ولم تكتف الإمارات بذلك، بل عمدت مثلما هو واضح لأن تكون اللاعب الأول في الساحة اليمنية، وهو ما اتضح بشكل جلي بعد تحرير عدن من جماعة الحوثي، إذ تبين أن الإمارات هي من تدير كل شيء في اليمن، سواء كان ذلك برغبة من السعودية أو بدون رغبة منها، فالدور الإماراتي في اليمن تعاظم للدرجة التي لم يعد بإمكان الإمارات التراجع فيها، لذلك من المستبعد أن تنجح الضغوط الشعبية على الحكومة لسحب قواتها من الإمارات لتقليل الخسائر التي تتعرض لها هناك، خاصة وأن هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الإمارات لخوض معارك مباشرة مع عدو خارجي بقوة وحجم جماعة الحوثي، ويعود ذلك إلى العديد من الأسباب أهمها:
أولاً: المحاولات الإماراتية لتولي دور القيادة في المنطقة، خاصة بعد أن نجحت في تحويل مسار الربيع العربي بما يتوافق مع رؤاها ورؤى شركائها في المنطقة وخارجها، وخوفها من ضياع هذا الدور وعودة قوى الإسلام السياسي لتولي زمام الأمور مرة أخرى، في ظل تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي لاتزال تعاني منها دول الربيع العربي.
ثانيًا: الاستفادة من ضعف الدور السعودي في المنطقة والخوف من اعتماده على حزب الإصلاح اليمني في القضاء على جماعة الحوثي وأخذ مكانها في قيادة الشعب اليمني، وهو ما تكبدت في سبيل عدم حدوثه الإمارات خسائر فادحة في الأموال والأرواح.
ثالثًا: العمل على إنشاء حكومات سواء في اليمن أو في غيره من دول الربيع العربي موالية للإمارات ولحلفائها، حتى يتم قطع الطريق على أي محاولات لتكرار سيناريو الربيع العربي مرة أخرى، بما يضر بالإمارات ودورها ومكانتها الجديدة في المنطقة.
رابعاً: الخوف من حدوث انتكاسة في اليمن، تسمح بعودة الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح للسيطرة على مجمل الأوضاع في البلاد مرة أخرى، خاصة وأن هناك دعمًا إيرانيًا كبيرًا لجماعة الحوثي، وحرص على عدم إسقاطها بالرغم من حدة الضربات التي يوجهها إليها التحالف، الأمر الذي يمثل إساءة كبيرة وقضاء مبكرًا على الدور الإماراتي الريادي في المنطقة.
خامسًا: الاستفادة من عمليات إعادة الهيكلة التي تقودها الولايات المتحدة لدول المنطقة، ومحاولة الإمارات لعب دور في مستقبل الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الخليج.
ويعني ذلك أن الإمارات تتعامل مع التطورات التي يشهدها الملف اليمني ليس كدولة مشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية لدحر جماعة الحوثي، وإنما كقائدة ومدبرة ومسيرة لشؤون التحالف، لذلك فهي حريصة على التواجد القوي على الأرض، بحيث تصبح لها بعد انتهاء عاصفة إعادة الامل الكلمة العليا في الشأن اليمني، إذ تعمل الآن على إعادة ترتيب الأوضاع في المناطق المحررة وفقًا لمصالحها، وبما يصب في النهاية في صالح دورها الريادي في المنطقة.
تسويق الأحداث لخدمة المصالح
بالرغم من التأثير السلبي لعمليات مقتل الجنود الإماراتيين في اليمن على صورة الحكومة، والضغوط الشعبية الكبيرة التي تتعرض لها لسحب قواتها من اليمن، باعتبار أن الشعب الإماراتي لم يألف تلك التحركات ولا هذه السياسات الجديدة التي تنتهجها حكومتهم تجاه المنطقة، إلا أن النظام الإماراتي يحاول تسويق تلك الأحداث بما يخدم على مشروعه الريادي في المنطقة، معتبرًا أن ما يحدث في اليمن والدور الكبير الذي تضطلع به الإمارات هناك، يمثل بداية لإمارات جديدة تلعب دورًا رياديًا في تشكيل مستقبل المنطقة عمومًا وفي القلب منها منطقة الخليج العربي، إذ صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات الدكتور أنور قرقاش، بأن دولة الإمارات التي تعمل ضمن التحالف العربي لإعادة الأمن في اليمن تولد من جديد.
فالواضح أن الإمارات باتت تتبنى خطابًا جديدًا يمتلئ بعبارات القوة والريادة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، فحسب قرقاش استشهاد أبناء الإمارات في اليمن يزيد الدولة قوة وعزمًا والتزامًا، مشيرًا إلى أن الأسد الإماراتي سيكشر عن أنيابه ليرفع راية العز عاليًا، وذلك في إشارة إلى الدور الجديد الذي يضطلع به الجيش الإماراتي في الخارج.
وتعلن القيادات الإماراتية صراحة في خطاباتها المختلفة أن دورهم في اليمن إنما يأتي في إطار الحفاظ على أهدافهم الاستراتيجية في المنطقة، والخاصة باستعادة الأمن وتحقيق الاستقرار، ولذلك فإنه مهما كانت التضحيات فإن ذلك لن يثنيهم عن استكمال المهمة التي تعتبر بمثابة مولد جديد لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي هذا الصدد سبق وأن صرح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، بأن تطهير اليمن من الميليشيات الانقلابية والعدوانية التي عاثت فسادًا وتخريبًا هدف لن تحيد عنه الإمارات.
واعتبر أن الوطن يعيش روحًا جديدة بتضحيات شهدائه، الأمر الذي يؤكد أن الإمارات بصدد تغيير استراتيجي في سياساتها الخارجية ناحية لعب دور أكثر فعالية في الأزمات الدائرة، بالشكل الذي يعظم من مكانتها ووجودها في المنطقة، وذلك بالرغم من مخاطر هذا الدور وتبعاته التي قد تؤثر على مستقبل النظام السياسي في الإمارات.
محددات الدور الإماراتي
يحكم الدور الإماراتي في اليمن مجموعة من المحددات الخاصة بدوافع العمل واستمراره، فكما هو واضح من الإصرار الإماراتي على الاستمرار في اليمن بالرغم من الخسائر التي تمنى بها قواتها هناك، والضغط الشعبي المتزايد على النظام خوفًا من سقوط المزيد من القتلى في صفوف أبنائه، ويتمثل المحدد الأول في المحدد الاقتصادي، فالوجود الإماراتي في اليمن يمثل فائدة كبيرة للاقتصاد الإماراتي على المدى البعيد، لأنه سيتيح لها التحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهذا من شأنه أن يعطي لها مساحة كبيرة من النفوذ على أهم الممرات المائية في العالم، وبذلك تكون الدولة الأولى في العالم من حيث القدرة على تقديم الخدمات اللوجستية للسفن العابرة من وإلى الخليج العربي، بل يمكن القول إن الشركات الإماراتية قد نجحت في السيطرة على مجمل التجارة المارة في البحر الأحمر، بداية من القاهرة التي تسيطر حاليًا على إدارة جزء كبير من موانئها، بسبب علاقاتها القوية مع النظام الحاكم، الأمر نفسه بالنسبة لليمن، وإذا ما أضيف ذلك للدور الذي تقوم به جبال علي الإماراتية في خدمة السفن العابرة في المحيط الهندي، يصبح للإمارات فائدة اقتصادية لا تعادلها فائدة أخرى لأي دولة مشاركة في تحالف إعادة الأمل الذي تقوده السعودية في اليمن.
اما المحدد الثاني فيتمثل في المحدد السياسي، فكما هو معروف تلعب الإمارات اليوم دورًا رائدًا في دول الربيع العربي، بعد أن نجحت جهودها في إخماد ربيع تلك الثورات وإعادة الأنظمة القديمة إلى عروشها مرة أخرى، وبالرغم من خروج الأمور عن السيطرة في اليمن، إلا أنها تبذل مع المملكة العربية السعودية جهودًا مضنية للقضاء على جماعة الحوثي وقوات علي عبدالله صالح، ومحاولة استبدالها بقوى جديدة تدين لها بالولاء، حتى تضمن اتباع سياسات يمنية تصب في صالح السياسات الإماراتية العليا، والتي تتمثل في القضاء على قوى الإسلام السياسي، والدوران في الفلك الإماراتي الموالي للغرب، فالإمارات تحاول الآن أن تحل محل المملكة العربية السعودية في قيادة الخليج العربي، معتبرة أن ما بذلته من جهود وما أنفقته من أموال وما بذلته من أرواح يعطيها حق ريادة وقيادة المنطقة، وهو ما تحاول أن تؤكده من خلال دورها الراهن في اليمن.
أما المحدد الثالث والأخير فيتمثل في المحدد الأمني، فالخطر الحوثي في اليمن لا يضر بأمن واستقرار السعودية وحسب، بل ويضر كذلك بالأمن والاستقرار في الخليج بأكمله وفي القلب منه الإمارات العربية المتحدة، لأنه يمثل استكمالًا لمشروع الهلال الشيعي الذي يستهدف السيطرة على مقاليد ومقدرات المنطقة، وهو أمر يمثل خطورة كبيرة على المنطقة، وقد ينقل إليها التوترات التي شاهدناها في العراق وسوريا، فنجاح الحوثيين في اليمن، قد يغري الجماعات الشيعية في بقية الدول الخليجية لحذو حذوها وتكرار نموذجها اعتمادًا على الدعم الإيراني الكبير، وهو ما قد يضر بمستقبل الأنظمة السياسية الحاكمة في الخليج وعلى رأسها النظام الإماراتي، لذلك لابد من وضع حد للتغول الإيراني في المنطقة، والحيلولة بين جماعة الحوثي وبين الانفراد بمقاليد الأمور في اليمن.
اتهامات متعددة.. ومحاولات إخراج الإمارات من المعادلة
يبدو أن ايران وحلفاءها في المنطقة نجحوا في قراءة المشهد بشكل جيد، فهم يعلمون أن الإمارات والمملكة ليسوا على وفاق، وهم على يقين من أن أي كلفة بشرية لا يمكن للإمارات أن تتحملها، لأنها ليست دولة صاحبة مشروع، وإنما دولة تبحث فقط عن الريادة وهي لا تملك مقوماتها، ولذلك فهم يبذلون قصارى جهدهم لإخراجها من المشهد من خلال تركيز الضربات ضد جنودها، وبحيث تبقى المملكة بمفردها في مواجهة جماعة الحوثي وقوات علي عبدالله صالح، المدعومين خارجيًا، وبذلك تسهل عليهم عملية المواجهة ويستطيعون اطالة أمد الصراع والخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب.
وقد بدأت تلك المواجهة مبكرًا، فقد حاولت إيران وجماعة الحوثي إثارة الجدل حول حقيقة الدور الإماراتي ضمن التحالف العشري، ولا سيما في ظل اتهامات سابقة كانت توجه للإمارات بأنها سعت خلال فترة ما بعد الثورة الشبابية إلى التحالف مع الرئيس المخلوع، بل إقامة تحالف بينها وبين صالح ونجله أحمد، وأيضاً مع الحوثيين لإسقاط ما كانوا يسمونه "حكم الإخوان في اليمن"، وأن هذا التحالف استمر حتى سقوط صنعاء.
ويذهب البعض في اتهاماته إلى أن ما كانت تسعى إليه الإمارات، هو خلق صراع بين الحوثيين وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن). لكن فشل الأمر بعد أن طلب الحزب من عناصره الانسحاب من أي مواجهة مع ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح في صنعاء، قائلاً إنه ليس دولة حتى يقاتل ميليشيات الحوثيين والمخلوع لوقف إسقاط الدولة.
وقد حاول الحوثيون والرئيس المخلوع استغلال الدور الإماراتي في بثّ الشائعات السياسية عن هذا الدور والتشكيك فيه، بل وصل الأمر إلى القول إن الإمارات تعمل ضد التحالف العشري. وبات أنصار الحوثيين والمخلوع يرددون أن الإمارات تعمل مع نجل المخلوع، ويحاولون إيصال مثل هكذا الكلام للشارع ضمن إعلامهم الحربي. كما يعملون على الترويج في أحاديثهم لجماهيرهم، التي باتت بعيدة عن وسائل الإعلام بسبب انقطاع الكهرباء، أن هناك صفقة بين الطرفين، لقيام الإمارات بذلك بما فيها تحرير عدن. ووصل الأمر إلى حد القول إن الأخطاء التي ترتكبها طائرات التحالف، تقف خلفها الإمارات، ولا سيما في استهداف المدنيين أو "المقاومة".
أهداف الدور الإماراتي في اليمن
يربط الخبراء الدور الإماراتي بالمصالح والمطامع في اليمن، لأن عينها على ميناء عدن، الذي كانت تتولى شركة "موانئ دبي" تشغيله قبل أن تتخلى عن الأمر بالتوافق مع الحكومة نتيجة الخلافات.
وقد تفردت الإمارات في الفترة الأخيرة ببعض الأدوار داخل الأزمة اليمنية برمتها، مما دعا البعض للحديث حول انتقال لإدارة الأزمة من الرياض إلى أبوظبي، فقد بدأت تظهر بوادر هيمنة ميدانية عسكرية إمارتية، وقد ظهر ذلك بصورة واضحة عقب تحرير مدينة عدن الجنوبية.
حيث تردد أن دولة الإمارات تسلمت المسؤولية كاملة عن مدينة عدن بعد التحرير، المدينة التي تعتبر الآن معقل الحكومة الشرعية بعد سيطرة الحوثيين على غالبية المدن الشمالية، إذ تقود الإمارات القوات المشاركة في تأمين عدن بعد تحريرها، ومن جانب آخر بدأت الإمارات في بسط نفوذها داخل المسار السياسي للأزمة اليمنية بعد أن تحولت إلى نقطة التقاء لأطراف الأزمة، ومن خلال التنسيق المباشر مع الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور هادي، ونائبه خالد بحاح والمبعوث الأممي للأزمة اليمنية، وكذلك وزير الخارجية السعودي وقيادات تابعة للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح.
وفي هذا الصدد تسعى الإمارات لامتلاك زمام المبادرة داخل اليمن، وبالتحديد تسعى للمشاركة في اتخاذ أي قرار مصيري متعلق بحل الأزمة، بحيث لا تنفرد الرياض بذلك الأمر وحدها، الإمارات لا تريد حلًا للأزمة يُعارض خط سياستها الخارجية العام، خاصة مع ارتفاع تكلفة مشاركتها في الحرب، فلم تبعد عين الإمارات كثيرًا في اليمن عن هدفها العام في القضاء على تيارات الإسلام السياسي، فهي تحاول أثناء الحرب تحويل بوصلتها تجاه عداء حزب التجمع اليمني للإصلاح، باعتباره الفرع اليمني لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
ويظهر ذلك في محاولة إبعاد كافة قيادات الإصلاح عن قيادة المقاومة الشعبية، بالإضافة لرفض أي خيار سياسي أو عسكري يعزز دور الإسلاميين في السلطة أو على الأرض، فالإماراتيون مسؤولون حاليًا عن الوضع الميداني في عدن، وخاصة في الجانب العسكري الذي يقودون عملياته من خلال سفينة عسكرية خاصة تابعة لهم ترسو حاليًا في خليج عدن، وهي مركز انطلاق لقوة عسكرية تتكون من أكثر من ستين مقاتلًا إماراتيًا يشرفون على تدريب وتمويل ثلاثة معسكرات يمنية تابعة لما تسمي بالمقاومة الشعبية المناهضة للحوثيين وصالح، وهي محاولات بلا شك لكسر سيطرة الإسلاميين المدعومين من السعودية في الجنوب على المقاومة.
وتسعى دولة الإمارات كذلك إلى توسيع خارطة نفوذها في اليمن، بعدما باتت واحدة من أهم القوى المؤثرة في الساحة السياسية العربية والإقليمية، بفضل حضورها القوي الذي لعبته في العمليات العسكرية، التي يشنها التحالف العربي ضد الحوثيين المدعومين من إيران وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
ويرى متابعون للشأن اليمني أن الدور المتصاعد لـ"أبو ظبي" في الأزمة اليمنية يُجسّد ارتفاع سقف طموحاتها، "لدرجة أن لعابها قد يسيّل لتقاسم النفوذ مع السعودية التي تعد جارتها الجنوبية" عمقًا استراتيجيًا، لا يشاركها فيه أحد، منذ تأسيس مملكة آل سعود.
فالإمارات حسب العديد من الخبراء تطمح إلى أن تعزز وجودها في اليمن، إلا أن هذا الوجود سيتوقف على ما يتم جنيه من الساحة اليمنية ونتائج المعركة فيها، فتكلفة الصراع هذا باتت عالية جداً على الدولة، فالإمارات أنفقت مليارات الدولارات خلال مشاركتها في المعارك في اليمن، و أرسلت العديد من الجنود إلى هناك، وخسرت ما يقارب 54 جندياً إماراتياً ناهيك عن عدد آخر من الجرحى. وهو عدد يعد كبيرًا في بلد لا يتجاوز عدد مواطنيه 1.5 مليون مواطن.
إلا أنه في العموم ومن خلال المواقف والتصريحات الإماراتية يبدو أن الإمارات لن تتخلى عن اليمن بسهولة، بعد أن تحول اليمن بالنسبة لها لمفتاح استراتيجي لمستقبل دورها المتعاظم في منطقة الخليج، بل وفي منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولًا جذريًا في هياكلها السياسية وبنيتها الاستراتيجية، لذلك يتوقع أن يستمر الدور الإماراتي في اليمن بالرغم من الخسائر التي تمنى بها قواتها، بل وقد يتعزز الوجود الإماراتي في حال حدوث تقدم على صعيد تحرير العاصمة، بسبب تراجع الدور السعودي، وزيادة التحديات التي تعترض طريقه داخليًا وخارجيًا في هذا الوقت الحساس من تاريخ المملكة.