الرئيسية / يمنيون في المهجر / يهود في لندن : لا يوجد مكان في الدنيا مثل عدن
يهود في لندن : لا يوجد مكان في الدنيا مثل عدن

يهود في لندن : لا يوجد مكان في الدنيا مثل عدن

07 يناير 2013 12:05 مساء (يمن برس)
من بعيد تعود الأنباء وتتحدث الأخبار عن حنين أبناء الطائفة اليهودية التي هاجرت من عدن في ثلاثينيات القرن الماضي فيما سمي حينها بـ "بساط الرياح" مع يهود الفلاشا المقيمين في أثيوبيا "الحبشة " سابقا.الحنين هذه المرة حظيت بها مدينة عدن كبرى مدن جنوب اليمن وثغرها الباسم ومركز نشاطها التجاري حيث الميناء الثالث عالميا من حيث التكوين الطبيعي.

تحدثت الكتب التاريخية والدراسات الأكاديمية بشأن التواجد اليهودي في مدينة عدن سابقا، والذي ازداد أبان الإحتلال البريطاني لهذه المدينة التي حباها الله بأسرار الجمال الطبيعي فتعانقت الجبال بالبحر وافترشت الرمال سواحلها لتضفي عليها نوعا من السحر الخلاب. فهوى الناس اليها فأبهرتهم بجمالها وسحرها ودفئها فعشقوها واستباحوا ترابها.

اليهود في عدن:
كثر الحديث يهود محافظة عدن وكيفية وجودهم ومعيشتهم فيها وطقوسهم التي مارسوها وبنو من أجلها المعابد، ونشاطهم الذي مارسوه وأنشئوا من أجله الأسواق التجارية.. لكن أين كان يجري كل ذلك في هذه المدينة الموزعة بين الجبل والبحر والساحل وتوزعت أحيائها بين أحضان الجبال ورمال السواحل..

في هذه السطور القليلة سنحاول ان نغوص قليلا في تاريخ هذه الجالية او الطائفة او الفئة التي عاشت هنا وهاجرت من هنا إلى الدولة المغتصبة فيما يسمى اليوم بـ "إسرائيل".. اليهود كانوا في عدن إلى جانب الهنود والصومال والمسيحيين وغيرهم من الطوائف الإنسانية ، التي احتضنتهم عدن بتناغم لا مثيل له في تاريخ البشرية.

تدفقت الجموع اليهودية التي كانت تنتشر في مناطق عدة من اليمن في ثلاثينات القرن الماضي على عدن التي احتلتها بريطانيا في العام 1839، حتى العام 1967. وما بين تلك الفترة مر وعد بلفور المشؤوم بمباركة بريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهنا كانت البداية الحقيقية لعناق اليهود للمحتل البريطاني في جنوب اليمن.

تشير المعلومات التاريخية إلى ان زيارة الكابتن "هينس" قائد قوات الاحتلال البريطاني إلى عدن في العام 1835م هي البداية التي رسمتها الدولة العظمى حينها "المملكة المتحدة" للتوسع حتى الوصول إلى عدن، حينها كان سكان عدن لا يتجاوز 800 نسمة بينهم من 250 – 300 من اليهود المندمجين في حياة طبيعية إلى جوار المسلمين. وبعد ستة أسابيع فقط من احتلال عدن في العام 1839م, تضاعف عدد اليهود ليصل إلى 568 نسمة منهم 267 رجلا و 301 امرأة. وفي حلول العام 1872م،أرتفع عدد اليهود في عدن إلى 2000 نسمة ليصل بحلول العام 1916م إلى 3700 نسمة.

حياة رغدة:
بعد تضييق المذهب الزيدي في شمال اليمن على اليهود الذين كانوا ينتشرون في عدة مناطق، ومنعهم من ممارسة نشاطهم الديني وحياتهم الخاصة وفق المعتقد اليهودي.. إلى جانب تواجد الاحتلال البريطاني المساند لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين على ارض اليمن في عدن، ساعد كثيرا على توافد اليهود من جميع أنحاء اليمن في الشمال والجنوب إلى مقر قيادة الاحتلال في عدن.

في عدن عاش اليهود حياتهم بحرية تامة واختاروا لأنفسهم أحياءا خاصة بهم فكان نادرا ما تتوسع طائفتهم خارج نطاق الأحياء الصغير في منطقة كريتر حيث كان المجتمع اليهودي بأكمله يقع في منطقة تعرف بـ "البازار"، التي لا تتجاوز مساحتها 600 متر طولا في 500 متر عرضا، وهي عبارة عن مساحة مربعة تتجسد في سبعة شوارع كل شارع يبلغ طوله 500 مترا.

في هذه المنطقة عاش اليهود بدايات القرن العشرين، تلك الأحياء عرفت حينها بالأحياء اليهودية أشهر شارع فيها عرف بشارع "الحمراء"، والذي عرف لاحقا بشارع "الملك سليمان"، فضلا عن شوارع شهيرة أخرى مثل شارع أو حارة "البانيان" والمعروف "بشارع السبيل" وشارع "الخبز" والمعروف بشارع "الشيخ عبدالله"، وشارع الخبز سمي بهذا الاسم نسبة إلى بيع فتيات اليهود لخبز من نوع خاص في هذا الشارع، بالاضافة الى تلك الشوارع كانت هناك حارة "الملا" وشارع "الزعفران" كما هو معروف لدينا حالياً كان أيضا تسكنه اليهود.

وقد بين كتاب تحت عنوان يهود عدن THE JEWS OF ADEN أخرجه وأصدره فريق مشترك من متحف ونادي ثقافي في العاصمة البريطانية لندن في أبريل 1991م يعنى بحياة اليهود وتاريخهم في محافظة عدن اثناء التواجد البريطاني في اليمن باشراف السيد ريكي بورمان والكاتبة الباحثة شونا بلاس بالإضافة إلى أعضاء آخرين من عدة أسر يهودية بلندن لهم علاقة بيهود عدن اوضحوا فيها انهم عاشوا في عدن حياة رغدة رائعة وممتعة.

وقد أشار أحد يهود عدن انه هناك كان عالماً مختلفاً خاصاً بالقرن العشرين عاش فيه جميع الناس في عدن حياة رغدة طيبة بالرغم من أن بعض الناس كانوا فقراء جداً إلا أنهم عاشوا في راحة الطعام الذي دائماً متوفراً ورخيصاً وبالنسبة للطقس كان جميلاً حيث كانت حياتنا رائعة ممتعة ومدهشة ،ومازلنا نتذكرها الى الان نظراً للحياة الطيبة التي عشناها هناك.

واكد مقيم يهودي سابق في عدن انه لم يكن شيئاً غالياً في عدن بما في ذلك السيارات لانها كانت حياة ميسرة وسهلة كونها منطقة حرة خالية من الضرائب ومركزاً كبيراً للسياح حيث كان الركاب ينزلون من السفن إلى التواهي لشراء الأشياء غالبا من محلات اليهود.

الدين اليهودي
كان الدين هو المبدأ الرئيسي لوجود الجماعة اليهودية في عدن، وقد شكل هذا المبدأ الرابط صورة اليوم والعام ودورة الحياة وقد عاش الجميع في طقوسهم وشعائرهم الدينية بالكامل حيث كان (بيت دين) يشكل أقوى هيئة في المجتمع اليهودي وفيه (الشاخط) أي الذباح الديني اليهودي يذبح البهائم لتأمين أكلها حسب الطريقة والشريعة اليهودية .. والدراسة الدينية فكانت جزءاً مهماً كاملاً من حياة كل طفل يهودي حيث كان يوجد عشر إلى ستة عشرة معابدا في عدن وكان المعبد الرئيسي يسمى (ماجن أبراهام) الذي يقع في حي "سالم علي" في منطقة كريتر حيث كان من أروع المعابد في العالم وأفخمها يستوعب ألفاً من الناس وأما مكتبته الدينية التي لها زاوية في المعبد وتسمى (تابوت العهد الذي يحوي شريعة موسى) فتحتوي على 270 من أسفار التوراة وقد بني هذا المعبد وفق تصميم لمعبد آخر كنموذج أصغر منه في الهند وكان بناؤه حول بقايا معبد آخر سابق يعود تاريخه إلى عام 1856م حيث كان الكثير من الرجال الذهاب للصلاة والعبادة يومياً إلى المعبد يوم السبت.

كما يقول أحد يهود عدن واصفاً الحياة الدينية اليهودية في عدن انه كان مجتمعاً أكثر تقارباً ومودة ودينياً حقيقياً لا نعمل شيئاً ملفتاً بارزاً يشعر به الجيران ولايبدؤوا بالتحدث عنها على أننا نبدو مختلفين عنهم حيث كنا نحس بالخجل والاستحياء أن نظهر مختلفين عنهم وكنا مجتمعاً غير حر إلى حد ما إلا أننا كنا مترابطين فيما بيننا إذا مات أحد منا اهتز لأجله الجميع.

خمسة وتسعون بالمائة من يهود عدن كانوا يذهبون إلى المعبد يوم السبت ومن المستحيل أنه كان يمكنك أن تجد محلاً تجارياً واحداً لليهود مفتوحاً سواء كان في الحي اليهودي أو في جزء آخر من المدينة عدن أو في التواهي .

فقد اكد يهودي اخر ان يوم السبت لم تكن لترى سيارة تمر في واحد من شوارعنا الأربعة فقد كنا نذهب فيه إلى المعبد في الصباح كنا نبدأ في حاولي الساعة السادسة صباحاً وننتهي في حوالى التاسعة أو التاسعة والنصف ثم بعد ذلك نذهب إلى شاطئ البحر فقد كنا نأخذ بعض الطعام معنا ونستمتع بوقتنا حتى وقت متأخر من الليل بعد ذلك نذهب لتناول العشاء في مطعم ذي خدمة ليلية.

الحنين إلى عدن
الحنين دائما ينبع من شخصا لأشياء كانت أجمل مما هو عائش في حاليا ، ولأجمل أوقات حياته في مكانا ما، هنا يشير أحد الكتاب الى ان هناك الكثير من يهود عدن الذين يعيشون حاليا في لندن يحنون إلى عدن ويتذكرون جمالها وطيبة أهلها والعيش فيها ويتمنون لو عادوا إليها حيث اشار احدهم : إذا كنت استطيع العودة سأفعل بكل ممنونية وطيب خاطر لإنني أتذكر الأشياء الجميلة فقط في عدن التي تتمثل في طفولتي وأيام الدراسة وكل شيء.

وبين اننا دائماً نشعر بأن عدن هي أجمل ما عشنا من أيام حياتنا وكل منا نحن العدنيين اليهود نتذكر من عاش أو ولد فيها سيظل يقول دائماً لا يوجد مكان في الدنيا مثل عدن.

كانت هناك قبائل يهودية في عدن يشكلون في المقام الأول أصحاب حرف وتجارة حيث كانت عدن مكان لتجمعاتهم وذلك اثناء وبعد الاحتلال البريطاني لعدن عام 1839م وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية ازدهر يهود عدن بعكس أولئك الذين سكنوا شمال اليمن وقد شجع وعد "بلفور" زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ونتيجة لذلك سعت الكثير من الجاليات اليهودية من جميع أنحاء الشرق الأوسط للهجرة إلى هناك كان للقضية الفلسطينية أثر خطير على مكانة بريطانيا في عدن.

وقد توافد الكثير من يهود اليمن وبأعداد كبيرة إلى مستعمرة عدن اثناء الحرب العالمية الثانية في طريقهم إلى فلسطين ووضعوا في مخيمات للاجئين..حيث كان ذلك من أجل سلامتهم في أعقاب إعلان الأمم المتحدة بإنشاء دولة يهودية في عام 1947م كانت هناك أعمال شغب كبيرة في مدينة عدن قتل على اثرها مالا يقل عن 70 يهوديا وتم حرق ونهب جزء كبير من الاحياء اليهودية في عدن وبعد تزايد المشاعر المعادية ضد اليهود في المدينة حاول الكثير منهم المغادرة هذا ما تبين من عدد السكان المتناقص حيث بلغ 4,500 في عام 1947م إلى أقل من 500 في عام 1963م وهكذا انتهت التجمعات اليهودية من عدن .

آخر السطور..
كما بدأنا حديثنا عن عدن الساحرة ، نتوقف معها في ختام سطورنا هذه التي القينا فيها لمحة قصيرة على تاريخ اليهود فيها، فعدن تتمتع بالكثير من الميزات والمقومات الجاذبة للإنسان ولعل أهم تلك المقومات موقعها الاستراتيجي القريب من خطوط الملاحة الدولية، وطبيعتها وجوها الساحرة، وأراضيها الواسعة وبحكم الطباع والميزة المدنية لسكانها المسالمين المخالطين لبقية الأجناس منذ القدم وكذا تمسكهم بتطبيق النظام والقانون في حياتهم اليومية منذ إنشائها إلى الان جعل من عاش فيها في القدم يحن اليها ويتمنى ان يكمل حياته في أحضانها هو وأولاده. لكن السؤال الذي يلح علينا هنا: هل حنين قاطنها اليهودي السابق اليها سيبقى حنينا ام سيصل إلى مرحلة العناق معها؟ وهل سيظل ذاك الحنين يراود كل من زارها وهي تصارع التخريب والفوضى هذه الأيام على يد أبنائها؟

المؤكد دائما ان عدن مدينة متجددة .. تحب الوداعة في العيش وتمنح محبيها السلام ويندمج على ترابها القوميات واللغات والأعراف والأديان في بوتقة "الحياة" المستمرة .. ومؤكدا انها تلفظ كل ما يلوث سمائها وترابها إلى المحيط والبحر وستبقى محبة للجميع .. والجميع يُحبها.
شارك الخبر