في تطور يثير الأمل وسط الأزمة اليمنية المستمرة، تتدفق رواتب 15 جهة حكومية عبر 5 محافظات جنوبية بعد تأخير دام شهرين كاملين، في عملية إنقاذ حقيقية لآلاف الأسر التي تعتمد على هذه المرتبات لتأمين لقمة العيش. الثلاثاء الأخير من العام يحمل بشرى لمن انتظروا طويلاً - فهل هذه بداية انفراج حقيقي أم مجرد هدنة مؤقتة في معركة البقاء؟
تنتشر أخبار الصرف بسرعة النار في الهشيم بين الموظفين المنتظرين، حيث أعلنت ثلاثة بنوك رئيسية والهيئة العامة للبريد عن بدء صرف مرتبات شهري أغسطس وسبتمبر 2025. أم محمد، أرملة شهيد من عدن، تحكي بصوت مختنق: "انتظرت ثلاثة أشهر كاملة راتب ابني الشهيد لأطعم أطفالي الخمسة... اليوم أشعر وكأن الحياة عادت إلينا". الأرقام تتحدث عن نفسها: أكثر من 15 وزارة ومؤسسة حكومية تستفيد من هذه العملية، بما يشمل وزارات النقل والشباب والكهرباء والتربية، إضافة إلى دائرة رعاية أسر الشهداء والمصابين.
خلف هذا الإنجاز قصة أطول من المعاناة التي يعيشها النظام المصرفي اليمني منذ انقسامه عام 2014. كصرف رواتب ما بعد الوحدة اليمنية عام 1990 - نفس التحديات اللوجستية تتكرر اليوم ولكن في ظروف أصعب. د. سالم العوذلي، الخبير المالي، يوضح: "تعدد أنظمة الصرف عبر البنوك الصغيرة والبريد يعكس تفتت النظام المصرفي، لكنه في الوقت نفسه يثبت مرونة هذا القطاع في أصعب الظروف". البنوك الثلاثة - عدن الإسلامي والبسيري والكريمي - تحولت إلى شبكة إنقاذ حقيقية تمنع سقوط آلاف الأسر في هاوية الفقر.
الأمر لا يتوقف عند مجرد صرف الأموال، بل يمتد إلى إنعاش الاقتصاد المحلي بطريقة تشبه تأثير حقن الأدرينالين للقلب المتوقف. أحمد، مهندس كهرباء في لودر بأبين، يصف شعوره: "لم أتمكن من شراء دواء والدتي لشهرين... اليوم أستطيع أخيراً أن أنظر في عيون أطفالي دون خجل". الأسواق المحلية تشهد حركة غير مسبوقة منذ شهور، بينما تكتظ البنوك ومكاتب البريد بطوابير الموظفين الذين يحملون بطاقاتهم الشخصية ووجوه الأمل المختلط بالحذر. فاطمة، موظفة في مكتب التربية بلحج، تصف المشهد: "الطوابير طويلة لكن الوجوه مبتسمة... كأننا نستعيد قطعة من كرامتنا المفقودة".
في زمن تتجمد فيه الحسابات المصرفية وتتوقف عجلة الاقتصاد، تنجح شبكة متواضعة من البنوك المحلية في تحقيق ما عجزت عنه مؤسسات أكبر. هذه العملية تغطي خمس محافظات كاملة وأكثر من 15 جهة حكومية، محققة انفراجة مؤقتة قد تمهد الطريق لحلول أكثر استدامة. على الموظفين الإسراع في استلام مستحقاتهم وفق الشروط المعلنة - البطاقة الشخصية الإلكترونية إجبارية، والصرف يداً بيد فقط. السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستنجح هذه الخطوة في كسر دائرة القلق المستمر، أم أنها مجرد انفراجة مؤقتة في أزمة أعمق تحتاج لحلول جذرية؟