في لحظة انتظرتها آلاف العائلات في الحديدة لشهرين كاملين، يحمل صباح الأربعاء القادم خبراً يضيء ظلمة المعاناة المالية. آلاف الموظفين والنازحين سيستقبلون مرتبات سبتمبر المتأخرة عبر فروع مصرف الكريمي، في خطوة تنهي فترة قلق وترقب طالت أكثر من المتوقع. الأرقام صادمة: عائلات بأكملها كانت تعيش على الديون والقروض، وأطفال حُرموا من احتياجاتهم الأساسية، وإيجارات متأخرة هددت بتشريد المئات.
علي زربة، مدير عام مكتب المالية بالحديدة، يحمل في صوته نبرة الارتياح وهو يعلن: "تم صباح اليوم إيداع المبالغ المخصصة للمرتبات في حسابات الموظفين". أحمد محمد، موظف في إدارة التعليم وأب لخمسة أطفال، يروي لحظات الترقب: "كانت زوجتي تسألني يومياً متى سيأتي الراتب، والأطفال يطلبون أشياء بسيطة لا أستطيع شراءها". هذا المشهد يتكرر في آلاف البيوت، حيث الراتب الحكومي هو شريان الحياة الوحيد في ظل ظروف اقتصادية خانقة.
خلف هذا الإنجاز جهود مضنية وتحديات لوجستية معقدة في منطقة تشهد ظروفاً استثنائية. عملية صرف المرتبات في زمن الحرب تتطلب تنسيقاً دقيقاً مع جهات متعددة، وإجراءات أمنية مشددة، وآليات مالية معقدة لضمان وصول الأموال لمستحقيها. مقارنة بعمليات الصرف السابقة، شهدت هذه المرة تحسناً ملحوظاً في التنظيم والتحضير، ما يبشر بانسيابية أكبر في العملية. الخبراء يتوقعون أن تكون هذه التجربة نموذجاً لتطوير أنظمة صرف أكثر فعالية مستقبلاً.
بينما تستعد فاطمة علي، النازحة من تعز والتي تعمل في قطاع الصحة، لاستقبال راتبها الذي ستخصص جزءاً كبيراً منه لإيجار المنزل المتأخر، يتوقع الخبراء الاقتصاديون انتعاشاً فورياً في الأسواق المحلية. صرف آلاف المرتبات دفعة واحدة سيحرك عجلة التجارة المحلية، ويمكن العائلات من سداد ديونها المتراكمة. التأثير سيكون كجرعة أدرينالين للاقتصاد المحلي المتعثر، لكنه يبقى حلاً مؤقتاً في انتظار استقرار أوسع. المخاوف تتركز حول قدرة فروع المصرف على التعامل مع الإقبال الكثيف المتوقع.
في ظل هذه الأجواء المفعمة بالأمل والترقب، تبقى الدعوة واضحة للموظفين: الالتزام بالمواعيد المحددة وتجنب الزحام غير المبرر لضمان انسياب العملية بشكل منظم. هذا الصرف قد يكون بداية عهد جديد من الانتظام، أو مجرد استراحة محارب في رحلة طويلة من التحديات المالية. السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكن الجهات المعنية من تحويل هذا النجاح المؤقت إلى نظام مستدام يحفظ كرامة الموظف ويضمن استقرار العائلات؟