في لحظة تاريخية طال انتظارها، تدفق آلاف الموظفين الحكوميين إلى فروع بنك عدن الإسلامي وسط موجة من الفرح والارتياح، بعد إعلان البنك صرف مرتبات شهري أغسطس وسبتمبر دفعة واحدة. أكثر من 25 جهة حكومية في محافظات عدن ولحج وأبين تستقبل رواتبها بعد انتظار طال شهوراً، في مشهد يشبه المطر بعد قحط طويل. الموظفون الذين عانوا من تأخير الرواتب يجدون أنفسهم أمام فرصة ذهبية لتعويض خسائرهم المالية.
أحمد المدرس البالغ من العمر 45 عاماً، والذي ينتظر راتبه منذ شهرين ليسدد تكاليف علاج والده المريض، وقف في طابور البنك منذ الفجر وهو يقول بصوت مرتجف: "لم أعد أصدق أن هذا اليوم سيأتي، راتبان معاً يعني أنني سأستطيع أخيراً دفع فواتير المستشفى." المشهد تكرر مع مئات الموظفين الآخرين من وزارات التربية والنقل والكهرباء وعشرات الجهات الأخرى، حيث امتلأت شبكة "عدن حوالة" ونقاط الصرف بأصوات الفرح والأحاديث المتحمسة عن الخطط المستقبلية.
هذا القرار يأتي بعد سنوات من معاناة القطاع الحكومي في اليمن، حيث تأثرت رواتب الموظفين بشدة منذ بداية الحرب عام 2014. الوضع في المناطق الجنوبية المحررة شهد تحسناً تدريجياً مقارنة بالمناطق الأخرى، لكن مشكلة تأخير الرواتب ظلت هاجساً يؤرق الآلاف. الخبراء الاقتصادون يؤكدون أن هذه الخطوة تعكس تحسناً في السيولة المصرفية واستقراراً نسبياً في المؤسسات المالية، ما يبشر بإمكانية انتظام صرف الرواتب مستقبلاً.
التأثير الفوري لهذا الإجراء سينعكس مباشرة على الحياة اليومية لعشرات الآلاف من الأسر. فاطمة الموظفة في وزارة التخطيط تخطط لاستغلال الراتب المضاعف في سداد الديون المتراكمة أولاً، ثم توفير جزء لتحسين تغذية أطفالها. الأسواق التجارية في عدن ولحج وأبين تستعد لموجة انتعاش مؤقتة، خاصة في قطاعات الغذاء والملابس والأدوية. لكن التحدي الأكبر يكمن في إدارة هذه الأموال بحكمة، تجنباً للإسراف غير المحسوب الذي قد يؤدي لمشاكل مالية لاحقة.
رغم الفرحة العارمة التي تجتاح الموظفين اليوم، يبقى السؤال الأهم معلقاً في أذهان الجميع: هل ستستمر هذه البشرى وتصبح نهجاً منتظماً، أم أنها مجرد هدنة مؤقتة في معركة البقاء الاقتصادي الطويلة؟ الإجابة ستحددها الأسابيع والشهور القادمة، لكن اليوم على الأقل، آلاف العائلات تنام بأريحية أكبر.