في تطور صاعق هز اليمن من أقصاه إلى أقصاه، وصل الفارق في سعر صرف الريال اليمني إلى 303% بين العاصمتين صنعاء وعدن، حيث يُباع الدولار الواحد بـ534 ريال في صنعاء مقابل 1617 ريال في عدن! هذا الانقسام النقدي المرعب، الذي يعني أن مدخراتك تفقد ثلثي قيمتها بمجرد عبور خط جغرافي وهمي، يضع اليمن أمام كارثة اقتصادية لم تشهدها البلاد من قبل. كل دقيقة تأخير في فهم هذه المأساة تعني خسارة أكبر لجيوب المواطنين.
تفاصيل الأرقام المدمرة تكشف عن هوة مالية جنونية: فارق 1083 ريال في سعر الدولار الواحد، وهو مبلغ يكفي لشراء الطعام لعائلة كاملة لأسبوع. أحمد المحمدي، موظف حكومي من صنعاء، يروي مأساته: "انتقلت إلى عدن للعمل ومعي مدخرات 50 ألف ريال، اكتشفت أنها لا تساوي سوى 16 ألف ريال هناك... شعرت وكأن لصاً سرق ثلثي عمري". الريال السعودي لم يسلم من هذا الجنون، حيث يتضاعف سعره ثلاث مرات من 140 ريال في صنعاء إلى 425 في عدن.
جذور هذه الكارثة تعود لعقد كامل من التشظي السياسي الذي أدى إلى انقسام النظام المصرفي الموحد. سيطرة قوى مختلفة على البنك المركزي في كل منطقة خلقت اقتصادين منفصلين تماماً داخل البلد الواحد. د. محمد العولقي، الخبير الاقتصادي، يحذر: "هذا الوضع أخطر من انقسام ألمانيا الشرقية والغربية، لأن الانقسام هناك كان معلناً ومنظماً، أما هنا فهو فوضوي ومدمر". التوقعات تشير إلى تفاقم الوضع مع استمرار نزيف الاقتصاد اليمني.
المأساة الحقيقية تظهر في الحياة اليومية للمواطنين: عائلات تفقد قدرتها على شراء الدواء والغذاء، تجار يفلسون بين ليلة وضحاها، مغتربون يتوقفون عن إرسال التحويلات خوفاً من الخسائر الفادحة. فاطمة الحضرمي، التي استغلت فروقات الأسعار للتجارة، تقول: "رأيت نساءً يبكين في محلات الصرافة عندما علمن أن نقودهن لا تكفي لشراء حليب الأطفال". سالم الشاهي، صراف في عدن، يشهد يومياً على هذه المآسي: "أصوات الصدمة والغضب لا تفارق محلي، والناس تسألني كيف حدث هذا للوطن".
اليمن اليوم يواجه تحدياً وجودياً: إما التوحد اقتصادياً أو الانقسام نهائياً إلى دولتين منفصلتين. المجتمع الدولي مطالب بالتحرك العاجل قبل انهيار كامل للاقتصاد اليمني، والمواطنون بحاجة لحماية مدخراتهم من هذا النزيف المستمر. السؤال المحوري الذي يطرح نفسه: إلى متى سيتحمل الشعب اليمني تبعات هذا الانقسام المالي المدمر؟