في صدمة اقتصادية تهز أركان اليمن، سجلت أسعار صرف الدولار فجوة مرعبة تزيد عن 1083 ريال بين عدن وصنعاء خلال تعاملات صباح اليوم السبت. ففي الوقت الذي يباع فيه الدولار الواحد بـ 1633 ريال في عدن، لا يتجاوز سعره 540 ريال في صنعاء - فارق يصل إلى 202% في نفس البلد ونفس العملة! هذا الانهيار المنظم يبتلع مدخرات الملايين ويهدد بكارثة اقتصادية لا مثيل لها في التاريخ اليمني الحديث.
أحمد الحداد، موظف حكومي في عدن براتب 100 ألف ريال شهرياً، يروي مأساته بصوت متهدج: "راتبي الشهري لا يساوي حتى 61 دولار، بينما زميلي في صنعاء براتب مماثل يحصل على قوة شرائية تعادل 185 دولار!" هذا الواقع المرير يعكس عمق الأزمة التي تضرب الاقتصاد اليمني، حيث تتحطم أحلام العائلات اليمنية على صخرة التضخم الجنوني. طوابير لا تنتهي تصطف أمام محلات الصرافة في عدن، وأكوام من الأوراق النقدية المهترئة تملأ الطاولات، بينما تتصاعد أصوات الصراخ والتذمر من المواطنين العاجزين عن فهم هذا الجنون الاقتصادي.
الدكتور محمد الأهدل، خبير اقتصادي متخصص في الشؤون النقدية، يؤكد أن "هذه أكبر كارثة نقدية في التاريخ اليمني الحديث، تفوق حتى أزمة التضخم في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى." الانقسام السياسي الذي بدأ عام 2014 أدى إلى سياسات نقدية متناقضة بين شطري اليمن، حيث يدير البنك المركزي في عدن سياسة نقدية مختلفة تماماً عن نظيره في صنعاء. الحرب المستمرة ونقص العملة الأجنبية وانهيار الإنتاج المحلي، كلها عوامل ضاعفت من حدة الأزمة لتصل إلى مستويات كارثية لم يشهدها اليمن منذ الوحدة عام 1990.
فاطمة علي، أم لثلاثة أطفال في عدن، تبكي وهي تحتضن حوالة مالية من زوجها المغترب: "زوجي يرسل 200 دولار شهرياً من السعودية، لو كنا في صنعاء لكفتنا شهرين كاملين، لكن هنا في عدن لا تكفي حتى أسبوع واحد!" هذا المشهد المتكرر يومياً يكشف حجم المأساة الإنسانية، حيث يواجه المغتربون اليمنيون معضلة مستحيلة: إما إرسال أموال أكثر وإفقار أنفسهم، أو مشاهدة عائلاتهم تغرق في براثن الفقر. الخبراء يحذرون من سيناريوهات أكثر سوداوية، منها الانهيار الكامل للريال في عدن واعتماد الدولار رسمياً، أو استمرار الفجوة مع تذبذبات حادة تدمر أي إمكانية للتخطيط الاقتصادي.
في ظل هذا الواقع المأساوي، يقف اليمنيون أمام خيارات مرة: إما الهجرة بحثاً عن استقرار اقتصادي، أو الصمود في وطن تتآكل فيه القوة الشرائية يوماً بعد يوم. المطالبات تتزايد بتدخل دولي عاجل لتوحيد السياسة النقدية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد اليمني المنهار. السؤال الذي يؤرق الملايين اليوم: إلى متى سيصمد الشعب اليمني أمام هذا الانهيار المنظم الذي يبتلع أحلامهم ومستقبلهم؟