في تطور صادم يعكس عمق المأساة الاقتصادية في اليمن، تجاوزت أوقية الذهب حاجز المليون ريال يمني لأول مرة في التاريخ، بينما شهدت أسواق المعدن النفيس انقساماً مدمراً بفروقات تصل إلى 300% بين المدن اليمنية. في مشهد يبدو خيالياً، يكلف جرام الذهب الواحد في عدن 200 ألف ريال، بينما يُباع نفس الجرام في صنعاء بـ51 ألف ريال فقط - فرق يعادل راتب موظف حكومي لثلاثة أشهر كاملة!
أحمد المحضار، موظف حكومي من صنعاء، يروي مأساته بصوت مختنق: "أحاول توفير مبلغ لشراء جرام ذهب واحد لزوجتي منذ ستة أشهر، ولكن كلما ادخرت مبلغاً، أجد السعر قد ارتفع أكثر." وفي المقابل، يستفيد محمد العدني، التاجر الذكي، من هذا التباين الصارخ محققاً أرباحاً مضاعفة من خلال استغلال فروقات الأسعار بين المناطق. الأرقام الرسمية تظهر أن جرام الذهب عيار 24 وصل إلى 32,580 ريال يمني، مما يعني أن المواطن العادي يحتاج إلى راتب 6 أشهر كاملة لشراء جرام واحد فقط.
منذ انقسام البنك المركزي اليمني عام 2016، تحولت أسواق الذهب إلى مرآة عاكسة للكارثة السياسية والاقتصادية التي يعيشها البلد. د. سالم البيضاني، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "الذهب أصبح الملاذ الوحيد الآمن في ظل انهيار العملة المحلية، لكنه في نفس الوقت أصبح حكراً على طبقة النخبة المالية." العوامل المؤثرة تشمل تضخماً مدمراً وصل إلى مستويات قياسية، وعملات منقسمة بين الشمال والجنوب، إضافة إلى طرق تجارية مقطوعة بفعل الصراع المستمر. هذه الأزمة تُعتبر الأسوأ منذ تأسيس الجمهورية اليمنية، حيث فقدت العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها.
التأثير على الحياة اليومية أصبح مأساوياً، حيث تؤجل العائلات اليمنية حفلات الزواج وتتخلى عن التقاليد الذهبية العريقة. فاطمة الزهراني، ربة منزل من عدن، تقول بحسرة: "أشاهد الأسعار ترتفع يومياً وأنا عاجزة عن شراء حتى حلق صغير لابنتي في عرسها." الخبراء يتوقعون نمو السوق السوداء للذهب وتفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية جديدة. في المقابل، يحذر المحللون من أن الاستثمار الآمن الوحيد أصبح متاحاً فقط لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، بينما يغرق المواطن العادي في دوامة من الفقر المدقع.
مع تجاوز أوقية الذهب لحاجز المليون ريال وفروقات مدمرة تصل إلى 300% بين المناطق، يطرح سؤال مؤلم نفسه: هل أصبح الذهب - رمز الثراء والأمان التقليدي في اليمن - حلماً مستحيلاً للمواطن العادي؟ الخبراء ينصحون بمتابعة الأسعار بحذر والاستثمار بعقلانية، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً يبقى: متى سيتمكن اليمنيون من العودة لشراء الذهب دون أن يضطروا لبيع كل ما يملكون؟