في صدمة اقتصادية لم يشهد لها اليمن مثيلاً، سجل الريال اليمني انهياراً مدوياً وصل إلى 1629 ريال مقابل الدولار الواحد في عدن، بينما يُباع نفس الدولار في صنعاء بـ 534 ريال فقط - فارق يتجاوز 1000 ريال للدولار الواحد! هذا الانقسام النقدي الكارثي يعني أن مواطناً يمنياً في عدن يدفع أكثر من 3 أضعاف ما يدفعه زميله في صنعاء للحصول على نفس القيمة الشرائية.
تُظهر أسعار الصرف الرسمية اليوم فجوة مرعبة تصل إلى 203% بين المدينتين، في مشهد يذكرنا بأزمات الهايبر إنفليشن في زيمبابوي وفنزويلا. أحمد الحسني، موظف متقاعد من عدن، يروي مأساته بصوت مرتجف: "راتبي التقاعدي الذي كان يكفي لشهر كامل، بات لا يكفي لشراء دواء ضغط الدم لأسبوع واحد". محلات الكريمي والنجم، أشهر محلات الصرافة في اليمن، تشهد طوابير من المواطنين المذعورين يحاولون بيع مدخراتهم قبل انهيارها أكثر.
منذ انقسام البنك المركزي اليمني عام 2016 إلى بنكين منفصلين، يغرق اليمن في دوامة اقتصادية مدمرة. الحرب المستمرة منذ عقد كامل، وتوقف صادرات النفط، وانقطاع المرتبات الحكومية، خلقت عاصفة اقتصادية مثالية تهدد بتفكيك البلاد كلياً. د. محمد البخيتي، الخبير الاقتصادي، يحذر بنبرة قاتمة: "هذا ليس مجرد فارق سعري، بل انقسام اقتصادي كامل يهدد وحدة البلاد واستقرارها الاجتماعي".
في الشوارع اليمنية، تتكشف المأساة الإنسانية بكل وضوح. فاطمة أحمد، أم لخمسة أطفال من تعز، تبكي وهي تبيع آخر قطعة ذهب تملكها: "أطفالي ينامون جوعى، وراتب زوجي لا يكفي لشراء كيلو أرز". المحللون الاقتصاديون يتوقعون موجة هجرة جماعية جديدة وانهياراً كاملاً للطبقة الوسطى خلال الأشهر المقبلة. التحويلات من الخارج، شريان الحياة لملايين العائلات اليمنية، باتت تتآكل قيمتها بسرعة البرق قبل وصولها للمستفيدين.
الأرقام المرعبة تتحدث عن نفسها: فارق 203% في سعر العملة بين مدينتين في نفس البلد، وانقسام اقتصادي كامل يدفع ثمنه الشعب اليمني البريء. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل سيصمد الريال اليمني أمام هذا الانهيار التاريخي، أم سنشهد انهياراً كاملاً للنظام النقدي؟ كم مواطن يمني آخر سيفقد كل شيء قبل أن يتدخل المجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الكارثة الإنسانية؟