في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية اليمنية، سجلت أسعار الذهب فجوة جغرافية مذهلة تصل إلى 195% بين مدينتين في نفس البلد! جرام الذهب عيار 21 الذي يُباع بـ 187,500 ريال في عدن لا يتجاوز 61,500 ريال في صنعاء - فرق يكفي لشراء سيارة مستعملة كاملة. خبراء اقتصاديون يحذرون: "هذه مجرد البداية، والأسوأ قادم إذا لم تُحل أزمة انقسام العملة".
التاجر أحمد الحضرمي، الذي نجح في بناء إمبراطورية ذهبية رغم الأزمة، يروي تفاصيل صادمة: "شاهدت عملاء يسافرون من عدن إلى صنعاء لشراء الذهب ثم العودة لبيعه بأرباح خيالية تصل 126,000 ريال للجرام الواحد". هذا الارتفاع الجنوني جاء متزامناً مع وصول أسعار الذهب عالمياً إلى مستوى قياسي عند 3,887 دولار للأوقية - مستوى لم تشهده البشرية من قبل. فاطمة العدنية، العروس التي أُجل زفافها للمرة الثالثة، تبكي بحرقة: "كيف لفتاة بسيطة أن تشتري الذهب بهذه الأسعار الجنونية؟"
الجذور العميقة لهذه الكارثة الاقتصادية تعود إلى انقسام العملة بين الشمال والجنوب، ما خلق سوقين منفصلين تماماً يحكمهما قانون الغاب. د. عبدالله الصوفي، الخبير الاقتصادي اليمني، يقارن الوضع بأزمة 2015: "تضاعفت الأسعار حينها خلال أسبوع واحد، لكن ما نشهده الآن أكثر تدميراً - إنه انهيار منظومة اقتصادية بأكملها". الأرقام تتحدث بوضوح: هامش ربح التجار في عدن وصل إلى 15,400 ريال للجرام الواحد - رقم يفوق راتب موظف حكومي لثلاثة أشهر كاملة.
في الشوارع المكتظة بمحلات الصاغة، تتكرر مأساة أم محمد يومياً - المعلمة المتقاعدة من صنعاء التي باعت ذهبها التراثي الذي ورثته عن جدتها مقابل فاتورة كهرباء واحدة. المشهد المؤلم يتكرر: عائلات كاملة تصطف أمام محلات الذهب حاملة مدخراتها الذهبية، بينما عيونها تفيض بالدموع. خبراء السوق يتوقعون سيناريوهات أكثر قتامة: تحول الذهب من رمز للفرح والزينة إلى ملاذ أخير للنجاة من الإفلاس التام. التجار يفركون أيديهم فرحاً بالأرباح الخيالية، بينما المواطن البسيط يشاهد أحلامه تتبخر مع كل ارتفاع جديد في الأسعار.
مع وصول الذهب لمستويات تاريخية لم تشهدها البشرية، يقف اليمنيون أمام مفترق طرق حاسم: إما توحيد الأسعار والعملة لإنهاء هذه المأساة، أو الاستسلام لواقع بلد واحد بسوقين مختلفين تماماً. السؤال المؤرق الذي يطرحه الجميع: متى ستنتهي هذه اللعبة الاقتصادية القاسية التي تحول الذهب من بركة إلى لعنة؟ الإجابة قد تحدد مصير ملايين اليمنيين الذين يراهنون على معدن أصفر صغير ليحمي مستقبلهم من المجهول.