الرئيسية / شباب ورياضة / من أيضاً يحلم بالوصول للعالمية؟.. قصة لامين يامال من الجذور المغربية-الغينية إلى قمة برشلونة
من أيضاً يحلم بالوصول للعالمية؟.. قصة لامين يامال من الجذور المغربية-الغينية إلى قمة برشلونة

من أيضاً يحلم بالوصول للعالمية؟.. قصة لامين يامال من الجذور المغربية-الغينية إلى قمة برشلونة

نشر: verified icon نايف القرشي 24 سبتمبر 2025 الساعة 09:25 مساءاً

في عصر يتسارع فيه الزمن وتتقاطع فيه الثقافات، يقف لامين يامال شاهداً حياً على أن الأحلام لا تعرف حدوداً جغرافية أو ثقافية. فبينما يحتفل العالم بحصوله على جائزة كوبا 2025 للمرة الثانية على التوالي، يطرح نجاحه تساؤلاً جوهرياً: هل يمكن للشباب العربي والأفريقي أن يصنعوا نماذج مماثلة للتميز العالمي؟ قصة هذا الفتى ذي الجذور المغربية والغينية، الذي نشأ في إسبانيا وأصبح نجماً عالمياً، تحمل في طياتها خارطة طريق واضحة لكل شاب يحلم بتحويل موهبته إلى منجز عالمي.

البداية من الجذور: عندما تصبح الهوية المتعددة قوة

وُلد لامين يامال نصراوي إيبانا في 13 يوليو 2007، ليحمل في دمه تراثاً ثقافياً استثنائياً يمتد من المغرب عبر غينيا الاستوائية إلى إسبانيا. هذا التنوع الثقافي، الذي قد يراه البعض تحدياً أو عبئاً، تحول في قصة يامال إلى مصدر قوة حقيقي. ففي عالم كرة القدم الحديث، حيث تقدر الشخصيات المتميزة والقدرة على التكيف مع بيئات متنوعة، وجد يامال في خلفيته المتعددة الأوجه رصيداً ثقافياً هائلاً.

إن تجربة يامال تعكس واقع الكثير من الشباب في المنطقة العربية والأفريقية، الذين يعيشون تجارب مماثلة من التنوع الثقافي والهوياتي. سواء كانوا من أصول متعددة أو نشأوا في بيئات ثقافية مختلطة، فإن هؤلاء الشباب يملكون ثروة حقيقية من المرونة والقدرة على فهم عوالم متنوعة. والدرس الأول من قصة يامال واضح: لا تخف من تعدد هويتك، بل اجعلها سلاحك السري في رحلة النجاح.

في سياق يمني أو عربي أوسع، نجد أن الكثير من الشباب يواجهون تحديات مماثلة في محاولة الموازنة بين هوياتهم المحلية وطموحاتهم العالمية. لكن قصة يامال تثبت أن الجسر بين العالمين ليس مستحيلاً، بل إن بناءه يتطلب فقط الثقة بالنفس والعمل المثابر. فعندما وصل يامال إلى أكاديمية لا ماسيا، لم يحاول إخفاء جذوره أو تجاهل تراثه، بل استثمر تنوعه الثقافي ليصبح لاعباً أكثر ثراء وعمقاً في شخصيته الرياضية.

الطريق إلى لا ماسيا: دروس في المثابرة والتفوق المبكر

لم تكن رحلة يامال إلى أكاديمية برشلونة الشهيرة مجرد صدفة أو ضربة حظ، بل نتيجة طبيعية لتفان مبكر وموهبة واضحة ظهرت منذ طفولته. أكاديمية لا ماسيا، التي أنتجت نجوماً مثل ليونيل ميسي وتشافي وإنييستا، تُعرف بمعاييرها الصارمة في اختيار المواهب وتطويرها. وصول يامال إليها في سن مبكرة يعكس ليس فقط موهبته الفطرية، بل أيضاً التزامه المبكر بالتميز والتطوير المستمر.

الدرس المهم هنا للشباب العربي والأفريقي يكمن في فهم طبيعة الأنظمة التي تنتج المواهب العالمية. لا ماسيا ليست مجرد أكاديمية كرة قدم، بل منظومة متكاملة تجمع بين التدريب التقني المتقدم والتطوير الشخصي والتعليم الأكاديمي. هذا النهج الشامل هو ما يجعل خريجيها قادرين على المنافسة على أعلى المستويات العالمية. وهنا تكمن الفرصة للمؤسسات في المنطقة العربية لتطوير نماذج مماثلة تراعي الخصوصيات المحلية مع تطبيق أفضل الممارسات العالمية.

لكن الأهم من ذلك كله هو الدرس الشخصي الذي يقدمه يامال: النجاح يبدأ بالاستعداد المبكر والجدية في التعامل مع الموهبة. فمنذ وصوله إلى لا ماسيا، أظهر يامال قدرات استثنائية في المراوغة والسرعة والدقة في التسديد، ولكن الأهم كان انضباطه والتزامه بالتطوير المستمر. هذا النهج هو ما مكنه من الانتقال بسلاسة من فرق الناشئين إلى الفريق الأول، ليصبح أصغر لاعب يشارك مع برشلونة في الدوري الإسباني. إنه مثال حي على أن الموهبة وحدها لا تكفي، بل تحتاج إلى صقل وتطوير مستمرين.

كسر الحواجز: من أصغر لاعب إلى صانع التاريخ

عام 2025 كان عاماً فاصلاً في مسيرة يامال، حيث شهد انفجار موهبته بشكل لافت ومساهمته الحاسمة في تحقيق ثلاثية تاريخية مع برشلونة شملت كأس ملك إسبانيا وكأس السوبر الإسباني والدوري الإسباني. هذه الإنجازات لم تكن مجرد أرقام في سجل النادي، بل كانت تأكيداً قاطعاً على قدرة الشباب على تحمل المسؤولية والتميز تحت الضغط. فرغم صغر سنه، أصبح يامال عنصراً أساسياً في خط هجوم برشلونة وأحد أبرز النجوم على مستوى الليغا.

إن حصول يامال على جائزة كوبا للمرة الثانية على التوالي يحمل دلالة خاصة، فهو أول لاعب في التاريخ يحقق هذا الإنجاز. هذا التفرد لا يأتي من فراغ، بل يعكس مستوى استثنائياً من الثبات والتطور المستمر. ففي عالم الرياضة، البقاء في القمة أصعب من الوصول إليها، والقدرة على تكرار النجاح تتطلب مهارات نفسية وذهنية عالية إضافة إلى الموهبة الفنية. يامال أثبت امتلاكه لهذه المعادلة الصعبة، مما يجعله نموذجاً يحتذى به للشباب الطامح في أي مجال.

والأهم من الأرقام والجوائز هو الطريقة التي حقق بها يامال هذه النجاحات. فهو لم يعتمد على موهبته الفردية فحسب، بل طور قدرته على اللعب الجماعي والمساهمة في نجاح الفريق ككل. هذا النضج المبكر في فهم ديناميكيات العمل الجماعي هو ما يميز النجوم الحقيقيين عن المواهب العادية. إنه درس قيم للشباب في أي مجال: النجاح الفردي مهم، ولكن القدرة على رفع مستوى من حولك هي ما تصنع الأساطير.

النموذج الملهم: ماذا يمكن أن يتعلم الشباب اليمني؟

إن قصة يامال تقدم دروساً عملية قابلة للتطبيق بعيداً عن الإطار الرياضي البحت. الدرس الأول والأهم هو أهمية التفاني والانضباط الذاتي. يامال لم يصل إلى ما وصل إليه بالاعتماد على الموهبة وحدها، بل من خلال ساعات لا تحصى من التدريب والتطوير المستمر. هذا المبدأ قابل للتطبيق في أي مجال، سواء كان الطب أو الهندسة أو التكنولوجيا أو الفنون. النجاح يتطلب استثماراً مستمراً في تطوير الذات والمهارات.

الدرس الثاني يتعلق بأهمية الحفاظ على الهوية والقيم الأساسية رغم النجاح العالمي. يامال، رغم شهرته الواسعة، حافظ على تواضعه وقيمه الإنسانية، كما يظهر في رسالة التهنئة التي وجهها لزميله السابق عثمان ديمبيلي. هذا السلوك يعكس نضجاً شخصياً وفهماً عميقاً لأهمية الروح الرياضية والاحترام المتبادل. إنه تذكير للشباب بأن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بالإنجازات المهنية، بل أيضاً بالشخصية والقيم التي نحافظ عليها في رحلتنا.

والدرس الثالث والأكثر أهمية للسياق اليمني تحديداً هو إثبات أن الاستثمار في المواهب الشبابية ليس ترفاً بل ضرورة تنموية. قصة يامال تُظهر بوضوح أن المواهب الشابة، عندما تحصل على البيئة والدعم المناسبين، يمكنها تحقيق إنجازات تتجاوز كل التوقعات. هذا يستدعي من المؤسسات والمجتمع ككل إعادة النظر في أولويات الاستثمار في الشباب، ليس فقط في الرياضة بل في جميع المجالات التي يمكن أن تساهم في بناء مستقبل أفضل.

الخلاصة: من الحلم إلى الواقع - خارطة طريق للنجاح

إن تحليل مسيرة لامين يامال يكشف عن معادلة نجاح واضحة وقابلة للتطبيق: الموهبة الفطرية + العمل الجاد والمنضبط + البيئة المناسبة للتطوير + الحفاظ على الهوية والقيم = النجاح العالمي المستدام. هذه المعادلة ليست حكراً على كرة القدم أو الرياضة، بل يمكن تطبيقها في أي مجال يطمح فيه الشباب للتميز. المهم هو فهم أن كل عنصر في هذه المعادلة ضروري، وأن إهمال أي منها قد يعطل الوصول للهدف المنشود.

للمؤسسات والمجتمعات التي تريد دعم مواهبها الشبابية، قصة يامال تقدم نموذجاً واضحاً للاستثمار الذكي في الشباب. الأمر لا يتطلب ميزانيات خيالية أو إمكانيات استثنائية، بل يحتاج إلى رؤية واضحة ونظام متكامل يجمع بين التدريب المتخصص والتطوير الشخصي والدعم النفسي. أكاديمية لا ماسيا نجحت لأنها لم تركز فقط على تطوير المهارات الفنية، بل اهتمت بصناعة شخصيات متكاملة قادرة على التأثير الإيجابي في محيطها.

وأخيراً، تبقى الرسالة الأهم موجهة لكل شاب يمني أو عربي يحلم بتحقيق شيء استثنائي: النجاح العالمي ممكن، والمسافة بين الحلم والواقع قابلة للقطع بالعمل والمثابرة والإيمان بالنفس. لامين يامال لم يولد نجماً، بل صنع نجوميته خطوة بخطوة، وتحدياً بعد تحدٍ. قصته تذكرنا أن العظمة لا تأتي من الظروف المثالية، بل من القدرة على تحويل التحديات إلى فرص، والأحلام إلى خطط عمل قابلة للتنفيذ. الباب مفتوح، والطريق معبد، وكل ما نحتاجه هو الشجاعة للخطوة الأولى.

شارك الخبر