في تطور صادم يكشف عمق الأزمة اليمنية، وصلت الفجوة السعرية للريال السعودي بين عدن وصنعاء إلى 204% - رقم مرعب يعني أن نفس العملة تساوي أكثر من ثلاثة أضعاف قيمتها في مدينة أخرى داخل البلد الواحد! هذا الانقسام المالي الجنوني، حيث يُباع الريال السعودي بـ 428 ريال يمني في عدن مقابل 140 فقط في صنعاء, يضع اليمن أمام كارثة اقتصادية حقيقية. كل دقيقة تأخير في فهم هذه الأزمة قد تكلف المواطنين مئات الريالات من مدخراتهم.
تكشف الأرقام الصادمة عن مأساة حقيقية يعيشها الشعب اليمني يومياً. أم محمد، ربة منزل في صنعاء, تنتظر تحويلات من ابنها العامل في السعودية، وتكتشف أن نفس المبلغ الذي كان يكفيها شهراً في صنعاء، لا يكفي أسبوعاً واحداً لو كانت في عدن. "الوضع النقدي يعكس الانقسام السياسي بشكل مرعب"، كما يؤكد المحللون الاقتصاديون، بينما يشهد خالد الصراف, تاجر العملة الذكي، على استفادته من هذه الفروقات الهائلة عبر التنقل بين المدينتين.
هذا الانقسام المالي المدمر ليس وليد اليوم، بل نتيجة مباشرة للحرب اليمنية المستمرة منذ 2015 التي مزقت النظام المصرفي الموحد إلى شطرين منفصلين. كما انقسمت ألمانيا إلى شرقية وغربية، انقسمت العملة اليمنية اليوم، لكن الفرق هنا أن الانقسام اقتصادي وليس مجرد جغرافي. السيطرة السياسية المختلفة والقيود المصرفية المتباينة خلقت واقعاً اقتصادياً موازياً يجعل من المستحيل على المواطن العادي فهم قيمة نقوده الحقيقية.
الآثار المدمرة لهذه الفجوة تطال كل جانب من جوانب الحياة اليومية. سالم المغترب, العامل اليمني في الرياض، يكتشف أن تحويلاته لأسرته تفقد نصف قيمتها حسب المنطقة التي تستقبلها. العائلات تواجه صعوبة في شراء الأساسيات، والتجار يعيشون في حالة قلق مستمر من تقلبات لا يمكن التنبؤ بها. هذا الوضع المأساوي يخلق فرصاً ذهبية للمضاربين الأذكياء، لكنه يدمر حياة الملايين من البسطاء الذين لا يملكون سوى راتباً محدوداً يتبخر أمام عينيه.
في خضم هذه العاصفة الاقتصادية المدمرة، يقف اليمن على مفترق طرق حاسم. الفجوة السعرية التاريخية البالغة 204% لا تعكس فقط انقساماً مالياً، بل تنذر بانهيار كامل للنسيج الاقتصادي إذا لم يتم التدخل السريع. السؤال الذي يؤرق الجميع الآن: كم من الوقت ستصمد العملة اليمنية أمام هذا الانقسام المدمر قبل أن تنهار نهائياً؟