في كارثة اقتصادية لم تشهد اليمن مثلها منذ التوحيد، سجلت أسعار صرف الدولار فجوة صادمة تزيد عن 200% بين عدن وصنعاء اليوم، حيث وصل سعر الدولار إلى 1618 ريال في عدن مقابل 535 ريال فقط في صنعاء - وهو ما يعني أن نفس العملة تساوي 3 أضعاف قيمتها حسب المدينة التي تتواجد فيها! خبراء يحذرون: كل دقيقة تأخير في التعامل مع هذه الأزمة تعني خسارة آلاف الريالات لملايين اليمنيين المحاصرين في هذا الجحيم الاقتصادي.
الأرقام المرعبة تكشف حجم المأساة: بينما يشتري المواطن في صنعاء دولاراً واحداً بـ 535 ريال، يحتاج نظيره في عدن إلى دفع 1618 ريال للدولار نفسه - فجوة تتجاوز 1000 ريال للدولار الواحد. أحمد المحمدي، موظف حكومي من تعز، يروي مأساته: "عندما انتقلت من عدن إلى صنعاء الشهر الماضي، اكتشفت أن راتبي الذي كان يكفيني شهراً كاملاً، لا يكفي الآن سوى لعشرة أيام فقط." الريال السعودي لم يسلم من هذا الجنون، حيث يُباع بـ 428 ريال في عدن مقابل 140 ريال فقط في صنعاء.
هذا المشهد الكابوسي ليس وليد اليوم، بل هو تتويج لـ 11 عاماً من الحرب المدمرة التي مزقت الوحدة النقدية اليمنية وحولت البلد الواحد إلى اقتصادين منفصلين تماماً. سيطرة جهات مختلفة على البنك المركزي، ونقص حاد في النقد الأجنبي، والحصار الاقتصادي المفروض، كلها عوامل جعلت اليمن أمام أسوأ أزمة نقدية منذ التوحيد عام 1990. د. فؤاد العولقي، الخبير الاقتصادي، يقارن الوضع قائلاً: "هذا أسوأ من انقسام ألمانيا الشرقية والغربية اقتصادياً، لأننا نتحدث عن نفس الشعب ونفس العملة!"
التأثير المدمر لا يتوقف عند الأرقام، بل يخترق صميم الحياة اليومية لـ 30 مليون يمني. فاطمة الأهدل، أم لثلاثة أطفال من الحديدة، تكافح لشراء رغيف الخبز: "ابني المريض يحتاج دواء بـ 20 دولار، لكنني أحتاج إلى راتب شهر كامل لأشتريه." التجارة بين الشمال والجنوب تواجه شللاً تاماً، بينما يستغل المتاجرون الأذكياء هذه الفوضى لتحقيق أرباح خيالية من المراجحة بين المدينتين. السيناريو الأسوأ يلوح في الأفق: انهيار كامل للريال اليمني وتحول البلاد للاقتصاد بالدولار، مما يعني مجاعة محققة للملايين.
بينما تغرق اليمن في هذه الدوامة المالية المرعبة، يبقى السؤال الأهم معلقاً في أذهان 30 مليون يمني: هل هذه نهاية الريال اليمني الموحد.. أم بداية تقسيم اقتصادي جديد لبلد واحد؟ الساعات القادمة ستحدد مصير عملة عمرها قرون، ومعها مصير شعب بأكمله يقف على حافة الهاوية الاقتصادية.