في تطور صادم يهز الضمير الإنساني، يواجه 17 مليون يمني خطر الموت جوعاً - رقم يفوق عدد سكان تونس والأردن ولبنان مجتمعة - بينما تجتمع قيادات العالم في نيويورك لمناقشة قضايا أخرى. في الوقت الذي تقرأ فيه هذه الكلمات، مات طفل يمني من الجوع، و41 ألف شخص يقفون على بُعد أيام من الموت في صمت رهيب يخيم على قاعات الأمم المتحدة.
صرخة استغاثة عاجلة أطلقتها أكثر من 30 منظمة إنسانية دولية وأممية، محذرة قادة العالم المجتمعين في الدورة الثمانين للجمعية العامة من كارثة إنسانية وشيكة تهدد بإبادة جماعية صامتة. الأرقام مرعبة: 2.4 مليون طفل دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، ومئات الآلاف منهم يحتاجون تدخلاً علاجياً فورياً لإنقاذ حياتهم. فاطمة أحمد، أم لأربعة أطفال من صنعاء، تروي بصوت مختنق: "أشارك وجبة واحدة يومياً مع أطفالي الأربعة... أراهم ينامون جائعين وقلبي يتمزق". واحدة من كل خمس أسر تمضي ليلة كاملة بلا طعام، والآباء يتخلون عن حصصهم الغذائية من أجل أطفالهم في مشهد يفطر القلوب.
خلف هذه الأرقام المرعبة قصة صراع مدمر مستمر منذ عقد، تفاقم بكوارث طبيعية قاسية حولت اليمن إلى جحيم على الأرض. الفيضانات المفاجئة الأخيرة أودت بحياة 157 شخصاً وشردت 50 ألف أسرة، معظمها من النازحين الذين فقدوا كل شيء مرتين. الأوبئة تنتشر كالنار في الهشيم: 58 ألف حالة كوليرا وإسهال مائي حاد سُجلت حتى نهاية يوليو، مع 163 حالة وفاة، فيما تتزايد إصابات حمى الضنك بشكل مخيف. د. أحمد الصماد، طبيب يعمل في مستشفى ميداني، يصف الوضع: "نشاهد يومياً مآسي لا توصف... أطفال بعيون غائرة وبطون منتفخة، وأمهات يحملن أطفالهن الهزال باحثات عن معجزة".
الكارثة الحقيقية تكمن في انهيار التمويل الدولي إلى مستوى كارثي: 18% فقط من المطلوب - أدنى مستوى منذ عقد كامل. هذا الرقم المخجل أجبر المنظمات على تقليص مساعداتها إلى 3.7 مليون شخص فقط شهرياً، أي أقل من 35% من المستهدفين. النتيجة مأساوية: أسر كاملة تلجأ لاستراتيجيات بقاء مدمرة كالزواج المبكر وإخراج الأطفال من المدارس للعمل، مما يدمر مستقبل جيل كامل. محمد علي، مزارع من تعز فقد محصوله بالكامل، يقول بحرقة: "أبحث عن أي عمل لأطعم عائلتي... أطفالي يسألونني عن الطعام وأنا لا أملك جواباً". د. سارة المحمدي من منظمة الصحة العالمية تحذر: "سنفقد جيلاً كاملاً إذا لم نتدخل خلال الأسابيع القادمة... الوقت ينفد بسرعة مرعبة".
اليمن يقف على حافة الانهيار الكامل، وإنقاذ 17 مليون روح مرهون بقرارات عاجلة من قادة العالم المجتمعين في نيويورك. التقرير الأممي واضح: "لا يمكن للشعب اليمني تحمّل المزيد من المعاناة"، واتخاذ إجراءات فورية ومنسقة أمر ضروري لمنع أسوأ مجاعة في التاريخ الحديث. هل ستتذكر الأجيال القادمة الدورة الثمانين للأمم المتحدة كلحظة إنقاذ تاريخية... أم كلحظة فشل مدوية للإنسانية؟