في تطور مذهل يعيد كتابة قواعد الاقتصاد الإقليمي، نجحت اليمن في تحويل 300 ألف فرصة عمل من حلم مستحيل إلى واقع ملموس، حيث قفزت صناعة الملبوسات المحلية من الصفر المطلق إلى تغطية 40% من السوق المحلي خلال أقل من عقد واحد - وذلك رغم الحرب والحصار الخانق. الخبراء يؤكدون: هذه ليست مجرد نهضة صناعية، بل ثورة اقتصادية حقيقية قد تحول اليمن من مجرد مستهلك إلى قوة تصنيعية إقليمية خلال السنوات القادمة.
أحمد الخياط، 35 عاماً، يروي قصة تلخص هذا التحول المدهش: "فقدت عملي في مصنع الغزل والنسيج عام 2010 وظللت عاطلاً لسنوات مريرة، واليوم أدير ورشة تضم 12 عامل وننتج 500 قطعة ملابس شهرياً." وليس أحمد وحيداً، فأكثر من 50 ألف خياط يعملون اليوم في قطاع كان شبه مدفون تحت ركام سياسات التدمير المنهجي. فاطمة المصممة، 28 عاماً، بدأت بماكينة خياطة واحدة واليوم تدير ورشة تضم 15 عاملة، وصوت ماكينات الخياطة يملأ الأحياء الشعبية كموسيقى الأمل الجديد.
الجذور التاريخية لهذا الانهيار تعود إلى عقود من سياسات الخصخصة المدمرة وتجفيف التمويل، حين تحولت اليمن من بلد منتج إلى سوق استهلاكية تابعة. مصنع الغزل والنسيج، العمود الفقري للصناعة الوطنية، تم تدميره منهجياً كجزء من مخطط أوسع لكسر العمود الفقري الاقتصادي للبلاد. مثلما حدث لصناعة النسيج في مصر خلال التسعينيات، عاشت اليمن عقوداً من الاستيراد الأعمى الذي استنزف مئات الملايين من الدولارات سنوياً. د. محمد الاقتصادي، متخصص في التنمية الصناعية، يؤكد: "هذا التحول نموذج فريد لكيفية بناء اقتصاد مقاوم في ظل أقسى الظروف."
اليوم، تلمس العائلات اليمنية تأثير هذه النهضة في حياتها اليومية - ملابس أرخص بنسبة 30% من المستوردة، وجودة تنافس العلامات العالمية، وفخر وطني يملأ الصدر. علي التاجر، 45 عاماً، يكشف: "كنت أستورد كل شيء من الخارج، اليوم 70% من بضاعتي محلية والطلب يتزايد يومياً." قانون الاستثمار الجديد رقم (3) لسنة 2025 وضع الأسس القانونية لهذا التحول، بينما منعت الحكومة استيراد أكثر من 20 صنفاً يمكن توطين صناعتها. النتيجة المذهلة: انتشرت الورش الجديدة بسرعة النار في الهشيم، وتحولت أحياء كاملة إلى خلايا إنتاجية نابضة بالحياة.
كالعنقاء التي تنهض من الرماد، تعود الصناعة اليمنية لتؤكد أن الاكتفاء الذاتي ليس مجرد شعار، بل فريضة سيادية وطريق وحيد للحرية الاقتصادية. الخبراء يتوقعون اكتفاءً ذاتياً كاملاً خلال 5-7 سنوات، وبداية تصدير للأسواق الإقليمية خلال العقد القادم. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل نشهد ميلاد مركز تصنيع إقليمي جديد، أم أن هذا مجرد بداية لثورة اقتصادية شاملة ستعيد رسم خريطة المنطقة؟