في تطور صادم هز الاقتصاد اليمني من جذوره، تحول أكثر من 6000 يمني من موظفين مستقرين إلى عاطلين عن العمل خلال 48 ساعة فقط، بعد أن ضربت العقوبات الأمريكية 23 شركة كانت تعمل كأذرع مالية لميليشيا الحوثي. شركة واحدة - كمران للتبغ - أصبحت رمزاً لكارثة اقتصادية تُعيد تشكيل خريطة الفقر في اليمن، حيث يواجه آلاف الأطفال احتمال ترك المدارس، وعائلات كاملة تقف على حافة الجوع.
بدأت الصاعقة من مكاتب شركة كمران للتبغ في صنعاء، حيث تردد صدى خطوات الموظفين وهم يغادرون مكاتبهم للمرة الأخيرة بعد سنوات من العمل. أحمد المطري، 42 عاماً، موظف منذ 15 عاماً وأب لخمسة أطفال، يروي مأساته: "استيقظت على كابوس حقيقي، 15 عاماً من العمل تبخرت في لحظة، ولا أعرف كيف سأواجه عيون أطفالي اليوم." الحوثيون، الذين يسيطرون على الشركة منذ سنوات، وعدوا الموظفين المسرحين بنصف راتب فقط لأربعة أشهر قبل القطع النهائي - وعد هزيل في مواجهة عاصفة من الفقر المحتم.
لم تكن كمران سوى البداية في مسلسل تدمير اقتصادي مدروس. العقوبات الأمريكية، التي جاءت رداً على استغلال الحوثيين لهذه الشركات في تمويل هجماتهم على الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومحاولات استهداف إسرائيل، كشفت حجم التوغل الخطير للميليشيا في الاقتصاد المدني. مثل ورقة الدومينو، بدأت الشركات تسقط واحدة تلو الأخرى: 5000 موظف سُرحوا من مصانع الإسمنت في عمران وباجل، و1000 موظف معلقون في الخطوط الجوية اليمنية. د. سالم الحضرمي، خبير الاقتصاد اليمني، يؤكد: "الحوثيون حولوا الشركات المدنية إلى أذرع عسكرية، والآن يدفع العمال الأبرياء ثمن هذا التوحش."
في بيوت صنعاء وعدن، تتكرر مأساة فاطمة العنسي، زوجة موظف مسرح، التي تقول بصوت مختنق: "استيقظنا على كابوس، لا نعرف كيف سنطعم أطفالنا غداً." هذه ليست مجرد أرقام على الورق - هذه عائلات تواجه شبح الجوع، أطفال قد يتركون التعليم، مرضى لن يستطيعوا شراء الأدوية. الكارثة الحقيقية أن كل يوم تأخير في حل هذه الأزمة يعني مزيداً من المعاناة، مزيداً من الأسر المحطمة، ومزيداً من الأطفال الذين سيكبرون وهم يحملون ندوب الفقر والحرمان. المجتمع الدولي مطالب بتقديم دعم عاجل للعمال المتضررين، بينما على الشعب اليمني أن يدرك حقيقة مؤلمة: الحوثيون ليسوا حلاً لمعاناته، بل هم سببها الأول.
والسؤال المحوري الذي يلاحق كل يمني اليوم: كم من الوقت نحتاج لندرك أن من يدعون حمايتنا هم من يدمروننا؟ وكم من العائلات ستدفع ثمن هذا الدرس القاسي قبل أن تشرق شمس اقتصاد يمني حر من براثن الميليشيات المسلحة؟