في لحظة انتظار مصيرية لـ 13 مليون يمني، أعلنت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية رسمياً بدء صرف معاشات ديسمبر 2025 - الأموال التي قد تعني الفرق بين الحياة والموت لملايين الأسر. في بلد مزقته الحروب لسنوات، يستمر ضخ شريان الحياة هذا ليصل إلى نصف التعداد السكاني تقريباً، مؤكداً أن الأمل لا يزال حياً رغم كل التحديات.
بدأت عملية الصرف فعلياً عبر فروع كاك بنك اعتباراً من السبت، لتشمل مستفيدي التقاعد والعجز والوفاة في القطاعين الخاص والمختلط. "تؤكد المؤسسة التزامها بصرف مستحقات المؤمن عليهم ضمن الإجراءات الدورية المعتادة"، حسب البيان الرسمي. أم محمد، الأرملة البالغة من العمر 65 عاماً والتي تعتمد على معاش زوجها المتوفى لإعالة 4 أطفال يتامى، تقول بصوت مرتجف: "هذا المعاش هو خط الحياة الوحيد لنا، بدونه لا نستطيع شراء الخبز حتى".
هذا الإنجاز ليس مجرد إجراء روتيني، بل معجزة حقيقية في بلد يواجه أصعب الظروف الاقتصادية في تاريخه الحديث. المقارنة تشبه نظام المعاشات في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية - حيث استمرت الخدمات رغم القصف والدمار. الدكتور عبدالله المقطري، خبير التأمينات الاجتماعية، يؤكد: "هذا النظام صمد أمام تحديات لم تواجهها أنظمة تأمينات في دول متقدمة، إنه إنجاز يستحق التقدير".
التأثير على الحياة اليومية لهؤلاء الملايين هائل ومباشر. محمد عبدالله، المتقاعد البالغ من العمر 58 عاماً، ينتظر معاشه بفارغ الصبر لسداد فواتير العلاج الطبي المتراكمة. الأسواق المحلية تترقب انتعاشاً محدوداً، والعائلات ستتمكن أخيراً من شراء الضروريات وربما دفع الرسوم المدرسية لأطفالها. هذه الأموال ليست مجرد أرقام، بل كالمطر بعد قحط طويل - تحيي الأمل في قلوب عشرات الملايين من اليمنيين.
في زمن تنهار فيه المؤسسات تحت وطأة الأزمات، تقف المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية شامخة كرمز للصمود والوفاء بالالتزامات. رقم 13 مليون مستفيد ليس مجرد إحصائية - إنه يمثل أكثر من تعداد دول عربية كاملة. هل ستستمر هذه المعجزة؟ وهل ستلهم مؤسسات أخرى لتحذو حذوها؟ الإجابة تكمن في استمرار هذا الالتزام شهراً بعد شهر، ليبقى الأمل حياً في قلوب من يستحقون الحياة الكريمة.