كشفت تحليلات حديثة لمجموعة غولدمان ساكس عن سيناريوهات صادمة قد تدفع أسعار الذهب للوصول إلى مستوى 5000 دولار للأوقية، وذلك في حال تعرضت استقلالية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي للتآكل، بما يشكل قفزة هائلة تزيد عن 40% من مستوياته الحالية.
أشار محللون من البنك الاستثماري العملاق، بقيادة سامانثا دارت، في مذكرة بحثية مفصلة، إلى أن التدخل السياسي في شؤون البنك المركزي الأمريكي سيطلق موجة من التداعيات الاقتصادية الخطيرة. وأوضحوا أن تراجع استقلالية الفيدرالي سيؤدي حتماً إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض أسعار الأسهم والسندات طويلة الأجل.

وضعت المذكرة البحثية ثلاثة سيناريوهات متدرجة لمسار أسعار الذهب. يبدأ السيناريو الأساسي بتوقع وصول المعدن النفيس إلى 4000 دولار للأوقية بحلول منتصف عام 2026، بينما يرسم سيناريو المخاطر المتوسطة صورة أكثر إثارة ببلوغه 4500 دولار.
أما السيناريو الأكثر جرأة والذي يتوقع وصول الذهب إلى 5000 دولار، فيستند إلى فرضية حاسمة تتمثل في تحويل نسبة ضئيلة لا تتجاوز 1% فقط من استثمارات القطاع الخاص في سندات الخزانة الأمريكية نحو المعدن الأصفر. هذا التحول الطفيف ظاهرياً قد يحدث تأثيراً زلزالياً على أسواق الذهب العالمية، مما يعكس الحساسية الشديدة للسوق تجاه أي تغييرات في أنماط الاستثمار.
تأتي هذه التوقعات في ظل مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المستمرة للسيطرة على الاحتياطي الفيدرالي وتعزيز نفوذه على قراراته النقدية. وقد تجلت هذه المحاولات بوضوح من خلال سعيه لإقالة ليزا كوك من منصبها كعضو في مجلس المحافظين.
تتزايد المخاوف الدولية من هذه التحركات، حيث حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد من أن فقدان الفيدرالي لاستقلاليته سيشكل "خطراً جسيماً" على الاستقرار المالي العالمي. هذه التحذيرات تعكس القلق المتزايد في الأوساط المالية العالمية من تداعيات السياسات الأمريكية على النظام النقدي الدولي.
ويؤكد محللو غولدمان ساكس أن الذهب يحتفظ بمكانته الفريدة كـ"مخزن للقيمة لا يعتمد على الثقة المؤسسية"، مما يجعله الملاذ الأمثل للمستثمرين في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي. هذه الخاصية تميز المعدن النفيس عن غيره من الأصول المالية التقليدية التي تعتمد على استقرار المؤسسات الحكومية والنقدية.
شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات مثيرة في أسواق الذهب، حيث سجل المعدن مستويات قياسية جديدة تجاوزت 3580 دولار للأوقية. هذا الصعود المتواصل يأتي مدعوماً بعوامل متعددة، أبرزها توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية في ظل ضعف بيانات التوظيف التي أظهرت إضافة 22 ألف وظيفة فقط الشهر الماضي، وهو رقم أقل بكثير من التوقعات.
تشير الإحصائيات إلى أن الذهب حقق مكاسب استثنائية تجاوزت الثلث خلال العام الجاري، مما يجعله من أفضل السلع الأساسية أداءً في الأسواق العالمية. هذا الأداء المتميز يعكس تزايد الإقبال على المعادن الثمينة كأدوات حماية من التقلبات الاقتصادية والسياسية المتزايدة.
لا تقتصر التوقعات المتفائلة على غولدمان ساكس وحدها، بل تشاركها العديد من المؤسسات المالية الكبرى نفس النظرة. استراتيجيو "وول ستريت" يرصدون قلقاً متزايداً بشأن استقلالية "الفيدرالي"، مما يعزز من مصداقية هذه التوقعات ويشير إلى إجماع واسع في الأوساط المالية.
ومن جانب آخر، تلعب البنوك المركزية دوراً محورياً في دعم أسعار الذهب من خلال زيادة مشترياتها كجزء من استراتيجيات تنويع الاحتياطيات. هذا التوجه يعكس رغبة العديد من الدول في تقليل اعتمادها على الدولار الأمريكي كعملة احتياطية وحيدة، خاصة في ظل التوترات السياسية المتزايدة.
تشير البيانات الأخيرة إلى أن آخر تداولات الذهب استقرت عند مستوى 3540 دولار للأوقية، بعد أن عوض خسائر مبكرة خلال الجلسة. هذا الاستقرار النسبي يأتي في ظل ترقب الأسواق للمزيد من التطورات على صعيد السياسة النقدية الأمريكية والتطورات السياسية المرتبطة بمستقبل استقلالية الفيدرالي.
يؤكد محللو غولدمان ساكس أن الذهب يظل "أبرز توصية استثمارية طويلة الأجل ضمن قطاع السلع الأساسية"، مشيرين إلى أن السيناريوهات المطروحة تستند إلى تحليلات معمقة للمخاطر السياسية والاقتصادية المحيطة بالنظام المالي الأمريكي والعالمي.