في مثل هذا اليوم من عام 1980، سُجلت واقعة فريدة ومأساوية في تاريخ الطيران العالمي، عندما هبطت الرحلة 163 التابعة للخطوط السعودية بسلام في مطار الرياض، لكن جميع ركابها البالغ عددهم 301 شخصاً فقدوا حياتهم داخل الطائرة.
كانت الطائرة من طراز "لوكهيد L-1011 تراي ستار" قد أقلعت من العاصمة الرياض متجهة إلى جدة، ضمن رحلة داخلية اعتيادية. إلا أن الوضع تغير جذرياً بعد سبع دقائق فقط من الإقلاع، حين انطلق إنذار الحريق في قمرة القيادة محذراً من وجود دخان في مقصورة الشحن الخلفية.

اتخذ طاقم الطائرة قراراً سريعاً بالعودة إلى مطار الرياض، ونجح في تنفيذ عملية هبوط آمنة ومثالية على المدرج. من الخارج، بدا كل شيء تحت السيطرة، والطائرة استقرت بهدوء على الأرض دون أي مشاكل ظاهرية في عملية الهبوط ذاتها.
لكن المأساة الحقيقية بدأت بعد الهبوط مباشرة. فبينما توقفت المحركات وأصبحت الطائرة ثابتة على المدرج، لم تُفتح أبواب الطائرة في الوقت المناسب لإجراء عمليات الإخلاء. الدخان السام الذي كان يتصاعد من مقصورة الشحن انتشر بسرعة داخل المقصورة الرئيسية، محاصراً الركاب وأفراد الطاقم في مصيدة قاتلة.
وقفت فرق الإطفاء والإنقاذ على أرض المطار تنتظر بدء عمليات الإخلاء، معتقدة أن الطاقم سيبدأ الإجراءات المعتادة. لكن الدقائق مرت ثقيلة دون حراك، والصمت يخيم على الطائرة التي تحولت إلى تابوت جماعي للأرواح البريئة بداخلها.

عندما تمكنت فرق الإنقاذ أخيراً من فتح أبواب الطائرة، كان قد فات الأوان. الدخان الكثيف والغازات السامة حصدت أرواح جميع من كانوا على متن الطائرة، في مشهد صادم جعل من هذه الحادثة الأولى والوحيدة في تاريخ الطيران التي شهدت هبوطاً ناجحاً لكن دون أي ناجين.
كشف التحقيق الرسمي في الحادثة أن التأخير في عمليات الإخلاء كان العامل المحوري في ارتفاع عدد الضحايا. كما أظهرت النتائج وجود عيوب خطيرة في تصميم أنظمة السلامة بالطائرة، خاصة في طريقة التعامل مع الحرائق في مقصورات الشحن.
أدت هذه الكارثة إلى إجراء تغييرات جذرية في معايير السلامة الجوية عالمياً. أوصت رئاسة الطيران المدني السعودي بإلغاء تصنيف مقصورات الشحن من فئة "Class D" التي كانت تعتمد على حرمان النار من الأوكسجين، واستبدالها بأنظمة إطفاء تلقائية أكثر فعالية وسرعة في مواجهة الحرائق.